نشاء؟ قال : نعم ، فدعا الله فعاش الغلام فلما رآه أهل مملكته قد عاش تبادروا إلى السلاح ، وقالوا : أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه ، فيأكلنا كما أكل أبوه ، فاقتتلوا وذهب عيسى وأمه فمرّ بالحواريين وهم يصطادون السمك ، فقال : ما تصنعون؟ قالوا : نصطاد السمك ، قال : أفلا تمشون حتى نصطاد الناس ، قالوا : ومن أنت؟ قال : عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله ، (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ، فآمنوا به وانطلقوا معه (١).
قوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ، قال السدي وابن جريج : مع الله تعالى ، تقول العرب : الذّود إلى الذّود إبل ، أي : مع الذود ؛ كما قال الله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢] ، أي : مع أموالكم ، وقال الحسن وأبو عبيدة : (إِلى) ، بمعنى في ، أي : من أعواني في الله ، أي : في ذات الله وسبيله ، وقيل : (إِلى) على موضعه (١) معناه : من يضم نصرته إلى نصرة الله لي ، واختلفوا في الحواريين ، قال مجاهد والسدي : كانوا صيادين يصطادون السمك ، سمّوا حواريين لبياض ثيابهم ، وقيل : كانوا ملاحين ، وقال الحسن : كانوا قصّارين ، سموا بذلك لأنهم كانوا يحوّرون الثياب ، أي : يبيّضونها ، وقال عطاء : أسلمت (٢) مريم عيسى عليهالسلام إلى أعمال شتى ، فكان آخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قصّارين وصباغين ، فدفعته إلى رئيسهم ليتعلّم منه فاجتمع عنده ثياب [كثيرة ، لتصبغ على ألوان شتى](٣) ، وعرض له سفر فقال لعيسى : إنك قد تعلمت هذه الحرفة وأنا خارج في سفر لا أرجع إلى عشرة أيام ، وهذه ثياب مختلفة الألوان وقد علّمت كل واحد بخيط على اللون الذي يصبغ به ، فأحب (٤) أن تكون فارغا منها وقت قدومي ، وخرج فطبخ عيسى حبّا (٥) واحدا على لون واحد وأدخل جميع الثياب [فيه](٦) ، وقال : كوني بإذن الله على ما أريد منك ، فقدم الحواري والثياب كلها في الحب ، فقال : ما فعلت؟ فقال : فرغت [منها](٧) ، قال : أين هي؟ قال : في الحب ، قال : كلها؟ قال : نعم ، قال : لقد أفسدت تلك الثياب ، قال : قم فانظر ، فأخرج عيسى ثوبا أحمر وثوبا أصفر وثوبا أخضر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها [ذلك الحواري](٨) ، فجعل الحواري يتعجّب ويعلم أن ذلك من الله [تعالى] ، فقال للناس (٩) : تعالوا فانظروا ، فآمن به هو وأصحابه ، فهم الحواريون ، وقال الضحاك : سمّوا حواريين لصفاء قلوبهم ، وقال ابن المبارك : سمّوا به لما عليهم من أثر العبادة ونورها ، وأصل الحور عند العرب : شدّة البياض ، [يقال : رجل أحور وامرأة حوراء ، أي : شديدة بياض العين](١٠) ، وقال الكلبي وعكرمة : الحواريون هم الأصفياء ، وهم كانوا أصفياء عيسى عليهالسلام ، وكانوا اثني عشر رجلا ، قال روح بن القاسم : سألت قتادة عن الحواريين ، قال : هم الذين تصلح لهم الخلافة ، وعنه أيضا أنّه قال : الحواريون هم الوزراء ، وقال الحسن : الحواريون الأنصار ، والحواري الناصر ، والحواري في كلام العرب خاصة : الرجل الذي يستعين به فيما ينويه.
__________________
(١) هذا الخبر من الإسرائيليات ، لا حجة فيه البتة ، والسدي روى الكثير عن أهل الكتاب.
__________________
(١) في المطبوع «في موضعها» وفي ـ ط «في موضعه».
(٢) في المطبوع و ـ ط «سلمت» والمثبت عن المخطوط والقرطبي (٤ / ٩٦)
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في ـ ط «فيجب».
(٥) تصحف في المخطوط إلى «جنسا» وفي ط «جبا» والمثبت هو الصواب ، والحب وعاء كبير كان يستخدم قديما.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) في المطبوع «الناس».
(١٠) زيد في المطبوع و ـ ط.