وعاصم والكسائي «كفّلها» بتشديد الفاء ، فيكون زكريا في محل النصب أي : ضمنها الله [زكريا](١) وضمها إليه بالقرعة ، وقرأ الآخرون بالتخفيف فيكون زكريا في محل الرفع ، أي : ضمّها زكريا إلى نفسه وقام بأمرها ، وهو زكريا بن آذن بن مسلم بن صدوق من أولاد سليمان بن داود عليهماالسلام ، قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (زَكَرِيَّا) مقصورا ، والآخرون ممدودا (٢) ، فلما ضمّ زكريا مريم إلى نفسه بنى لها بيتا واسترضع لها [مرضعة](٣) ، وقال محمد بن إسحاق : ضمّها إلى خالتها أم يحيى حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء ، بنى لها محرابا في المسجد وجعل بابه في وسطها لا يرقى إليها إلا بالسلّم مثل باب الكعبة [و](٤) لا يصعد إليها غيره ، وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم ، (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) ، [وأراد بالمحراب](٥) الغرفة [التي بناها](٦) ، والمحراب أشرف المجالس ومقدمها ، وكذلك (٧) هو من المسجد ، ويقال للمسجد أيضا : محراب ، وقال المبرد : لا يكون المحراب إلا أن يرتقى [عليه بدرج](٨) ، قال الربيع بن أنس : كان زكريا إذا خرج يغلق عليها سبعة أبواب (١) ، فإذا دخل عليها غرفتها (٩) ، (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) ، أي : فاكهة في غير حينها [فيرى](١٠) فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) ، قال أبو عبيدة معناه : من أين لك هذا ، وأنكر بعضهم عليه وقال : معناه من أيّ جهة لك هذا لأن (أَنَّى) للسؤال عن الجهة و «أين» للسؤال عن المكان ، (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، أي : من قطف الجنّة ، وقال الحسن : إن مريم من حين ولدت لم تلقم ثديا (١١) قط بل كان يأتيها رزقها من الجنّة ، فيقول لها زكريا (أَنَّى لَكِ هذا)؟ فتقول : (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، تكلمت وهي صغيرة ، (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، قال محمد بن إسحاق : ثم أصابت بني إسرائيل أزمة ، وهي على ذلك من حالها حتى ضعف زكريا عن حملها ، فخرج على بني إسرائيل فقال : يا بني إسرائيل تعلمون والله لقد كبرت سنّي وضعفت عن حمل مريم بنت عمران ، فأيّكم يكفلها بعدي؟ فقالوا : والله لقد جهدنا وأصابنا من السنة ما ترى فتدافعوها بينهم ثم لم يجدوا من حملها بدّا فتقارعوا عليها بالأقلام ، فخرج السهم على رجل نجار من بني إسرائيل ، يقال له : يوسف بن يعقوب ، وكان ابن عم مريم ، فحملها فعرفت مريم في وجهه شدة مئونة ذلك عليه ، فقالت له : يا يوسف أحسن بالله الظن فإن الله سيرزقنا ، فجعل يوسف يرزق بمكانها منه فيأتيها كل يوم من كسبه بما يصلحها فإذا أدخله عليها في الكنيسة أنماه الله فيدخل عليها زكريا فيرى عندها فضلا من الرزق ليس بقدر ما يأتيها به يوسف ، فيقول : (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا)؟ (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، قال أهل الأخبار :
فلما رأى ذلك زكريا قال : إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير حينها من غير سبب لقادر على أن يصلح زوجتي ويهب لي ولدا في غير حينه على الكبر ، فطمع في الولد وذلك أن أهل بيته كانوا قد انقرضوا ، وكان زكريا قد شاخ وأيس من الولد.
__________________
(١) هذا من الإسرائيليات المنكرة.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٢) في المطبوع و ـ ط «يمدونه».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط و «الوسيط» (١ / ٤٣٢)
(٥) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) كذا في المطبوع و ـ ط ـ وتفسير الطبري (٣ / ٢٤٦) وفي المخطوط «ولذلك».
(٨) في المطبوع «إليه بدرجة» وكذا في ـ ط ـ.
(٩) في المطبوع «فتحها».
(١٠) زيادة عن المخطوط.
(١١) في المطبوع «ثديها».