وكانت حنة بنت فاقوذا أمّ مريم عند عمران ، وكان قد أمسك عن حنة الولد حتى أيست (١) وكانوا أهل بيت من الله بمكان ، فبينما هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا فتحركت بذلك نفسها للولد ، فدعت الله أن يهب لها ولدا ، وقالت : اللهمّ لك عليّ إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيت المقدس ، فيكون من سدنته وخدمه ، فحملت بمريم فحررت ما في بطنها ، ولم تعلم ما هو ، فقال لها زوجها : ويحك ما صنعت؟ أرأيت إن كان ما في بطنك أنثى [لا](٢) تصلح لذلك؟ فوقعا جميعا في همّ من ذلك ، فهلك عمران وحنة حامل بمريم.
(فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦))
(فَلَمَّا وَضَعَتْها) ، أي : ولدتها ، إذا هي جارية ، والهاء في قوله : (وَضَعَتْها) راجعة إلى النذيرة لا إلى [ما في بطنها](٣) ، ولذلك أنّث ، (قالَتْ) حنة وكانت ترجو أن يكون غلاما ، (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) ، اعتذارا إلى الله عزوجل ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) ، بجزم التاء إخبارا عن الله تعالى عزوجل ، وهي قراءة العامة وقرأ ابن عامر وأبو بكر ويعقوب (وَضَعَتْ) برفع التاء جعلوها من كلام أم مريم ، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) ، في خدمة الكنيسة والعبّاد الذين فيها للينها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس ، (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) ، وهي بلغتهم العابدة والخادمة ، وكانت مريم من أجمل النساء في وقتها وأفضلهن ، (وَإِنِّي أُعِيذُها) أمنعها وأجيرها ، (بِكَ وَذُرِّيَّتَها) أولادها (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) ، والشيطان الطريد اللعين والرجيم المرمى بالشهب.
[٣٨٠] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب ، عن الزهري حدثني سعيد بن المسيّب قال : قال أبو هريرة رضي الله عنه :
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما من بني آدم من مولود إلا يمسّه الشيطان حين يولد ، فيستهل الصبي صارخا من [مسّ](٤) الشيطان ، غير مريم وابنها» ، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه : (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).
[٣٨١] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن
__________________
[٣٨٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، أبو اليمان هو الحكم بن نافع البهراني ، وشعيب هو ابن دينار ، والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
ـ وهو في «شرح السنة» (٤١٠٤) بهذا الإسناد.
ـ أخرجه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» (٣٤٣١) عن أبو اليمان بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه مسلم ٢٣٦٦ والطبري ٦٨٨٧ من طريق الزهري به.
ـ وأخرجه البخاري ٤٥٤٨ ومسلم ٢٣٦٦ وأحمد ٢ / ٢٣٣ و ٢٧٤ ـ ٢٧٥ والطبري ٦٨٩١ وابن حبان ٦٢٣٥. والواحدي ١ / ٤٣١.
[٣٨١] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، أبو اليمان هو الحكم بن نافع ، شعيب هو ابن دينار ، أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان ، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
__________________
(١) في المطبوع وط «أسنت».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «ما» بدل «ما في بطنها» وفي ـ ط «ما ولد».
(٤) سقط من المطبوع.