حق الكافة [في الدنيا](١) ، وقيل : على الخصوص في حق المؤمنين ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) ، أمّا الكفار فلا يشكرون (٢) ، وأما المؤمنون فلم يبلغوا غاية الشكر.
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥))
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، أي : في طاعة [الله](٣) أعداء الله ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، قال أكثر أهل التفسير : هذا خطاب للذين أحيوا ، أمروا بالقتال في سبيل الله فخرجوا من ديارهم فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا ، وقيل : الخطاب لهذه الأمة أمرهم بالجهاد.
قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، القرض : اسم لكل ما يعطيه الإنسان ليجازى عليه ، فسمّى الله تعالى عمل المؤمنين له على رجاء ما عدّ لهم من الثواب قرضا ، لأنهم يعملونه لطلب ثوابه ، قال الكسائي : القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ ، وأصل القرض في اللغة : القطع ، سمّي به القرض لأنه يقطع (٤) من ماله شيئا يعطيه ليرجع إليه مثله ، وقيل في الآية اختصار مجازه : من ذا الذي يقرض عباد الله والمحتاجين من خلقه ؛ كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، [الأحزاب : ٥٧] ، أي : يؤذون عباد الله ، كما جاء في الحديث الصحيح :
ع [٢٨٥] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني ، قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال : استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي»؟.
وقوله عزوجل : (يُقْرِضُ اللهَ) ، أي : ينفق في طاعة الله قرضا حسنا ، قال الحسين بن علي الواقدي يعني : محتسبا طيّبة به نفسه ، [و] قال ابن المبارك : من مال حلال ، وقال : لا يمنّ به ولا يؤذي (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) ، قرأ ابن كثير وأبو جعفر وابن عامر ويعقوب «فيضعّفه» وبابه (٥) بالتشديد ، ووافق أبو عمرو في سورة الأحزاب ، وقرأ الآخرون (فَيُضاعِفَهُ) بالألف مخفّفا ، وهما لغتان ، ودليل التشديد قوله : (أَضْعافاً كَثِيرَةً) ، لأن التشديد للتكثير ، وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب بنصب الفاء ، وكذلك في سورة الحديد على جواب الاستفهام ، وقيل : بإضمار أن ، وقرأ الآخرون برفع الفاء نسقا على قوله يقرض (أَضْعافاً كَثِيرَةً) ، قال السدي : وهذا التضعيف لا يعلمه إلا الله عزوجل ، وقيل : سبعمائة ضعف ، (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) ، قرأ أهل البصرة وحمزة يبسط هنا ، وفي الأعراف : (بَصْطَةً) [الأعراف : ٦٩] ، بالسين كنظائرهما ، وقرأهما الآخرون بالصاد ، وقيل : يقبض بإمساك الرزق والنّفس والتقتير ، ويبسط بالتوسيع ، وقيل : يقبض بقبول التوبة والصدقة ، ويبسط بالخلف والثواب ، وقيل : هو الإحياء والإماتة
__________________
ع [٢٨٥] ـ صحيح. أخرجه مسلم ٢٥٦٩ والبخاري في «الأدب المفرد» ٥١٧ وابن حبان ٢٦٩ من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة به ، وأخرجه أحمد (٢ / ٤٠٤) ح / ٨٩٨٩ من طريق ابن لهيعة عن أبي هريرة مرفوعا ، وابن لهيعة ضعيف.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «فلم يشكروا».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيد في المطبوع «به».
(٥) في المخطوط «وياؤه».