(٢٤٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣))
(وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١)) ، إنما أعاد ذكر المتعة هاهنا لزيادة معنى وذلك أن في غيرها بيان حكم غير الممسوسة ، وفي هذه الآية بيان حكم جميع المطلّقات في المتعة ، وقيل : إنه لما نزل قوله تعالى : (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) إلى قوله : (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) ، قال رجل من المسلمين : إن أحسنت فعلت وإن لم أرد (١) ذلك لم أفعل ، فقال الله تعالى : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ) ، جعل المتعة لهن بلام التمليك ، وقال : (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ، يعني : المؤمنين المتّقين الشرك.
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) ، قال أكثر أهل التفسير : كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط ، وقع بها الطاعون فخرجت طائفة منها وبقيت طائفة فهلك أكثر من بقي في القرية ، وسلّم الذين خرجوا [منها] ، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين ، فقال الذين بقوا : أصحابنا كانوا أحزم منّا لو صنعنا كما صنعوا لبقينا ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن إلى أرض لا وباء بها ، فوقع (٢) الطاعون [عليهم](٣) من قابل فهرب عامة أهلها وخرجوا حتى نزلوا واديا أفيح ، فلما نزلوا المكان الذي يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه : أن موتوا فماتوا جميعا.
[٢٨٤] أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب حدثنا مالك عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة :
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام فلما جاء سرغ (١) بلغه أن الوباء قد وقع بالشام ، فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» ، فرجع عمر من سرغ (١).
قال الكلبي ومقاتل والضحاك : إنما فرّوا من الجهاد وذلك أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أمرهم أن يخرجوا إلى قتال عدوّهم فعسكروا ثم جبنوا وكرهوا الموت فاعتلّوا وقالوا لملكهم : إن الأرض التي نأتيها بها الوباء فلا نأتيها حتى ينقطع منها الوباء ، فأرسل الله عليهم الموت [في مكانهم](٤) ، فخرجوا من ديارهم فرارا من الموت ، فلما رأى الملك ذلك قال : اللهمّ ربّ يعقوب وإله موسى وهارون قد ترى
__________________
[٢٨٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
خرجه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» (٢ / ٨٩٦ ـ ٨٩٧) بهذا الإسناد.
ـ ومن طريق مالك أخرجه البخاري (٥٧٣٠) و (٦٩٧٣) ومسلم ٢٢١٩ وأحمد (١ / ١٩٤) والبيهقي (٣ / ٣٧٦).
ـ وأخرجه أحمد (١ / ١٩٣) وابن حبان ٢٩١٢ من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري به.
ـ وورد من حديث ابن عباس أن عمر بن الخطاب خرج .... فذكره أخرجه البخاري ٥٧٢٩ ومسلم ٢٢١٩ وأبو داود ٣١٠٣ ومالك (٢ / ٨٩٤ ـ ٨٩٦) وأحمد (١ / ١٩٤) وابن حبان (٢٩٥٣) والبيهقي (٧ / ٢١٧ ـ ٢١٨).
(١) السرغ : موضع قرب الشام بين المغيثة وتبوك.
__________________
(١) في المطبوع «أر».
(٢) في المخطوط «فرجع».
(٣) زيادة من المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.