يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ من التزكية وهي التعديل ، (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، قال ابن عباس : العزيز : الذي لا يوجد مثله ، وقال الكلبي : المنتقم ، بيانه قوله تعالى : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) [آل عمران : ٤] ، وقيل : المنيع الذي لا تناله الأيدي ولا يصل إليه شيء ، وقيل : القوي ، والعزّة القوة ، قال الله تعالى : (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا) [يس : ١٤] ، أي : قوّينا ، وقيل : الغالب ، قال الله تعالى إخبارا : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) [ص : ٢٣] ، أي : غلبني ، ويقال في المثل : من عزّ بزّ ، أي : من غلب سلب.
(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١))
(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) ، وذلك أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما : قد علمتما أن الله عزوجل قال في التوراة : إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن به فهو ملعون ، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم ، فأنزل الله عزوجل : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) ، أي : يترك دينه وشريعته ، يقال : رغب في الشيء إذا أراده ، ورغب عنه إذا تركه ، وقوله (وَمَنْ) : لفظة استفهام ومعناه التقريع والتوبيخ ، يعني : ما يرغب عن ملة إبراهيم (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) ، قال ابن عباس : خسر نفسه ، وقال الكلبي : ضلّ من قبل نفسه ، وقال أبو عبيدة : أهلك نفسه ، وقال ابن كيسان والزجاج : معناه جهل (١) نفسه ، والسفاهة : الجهل وضعف الرأي ، وكل سفيه جاهل ، وذلك أن من عبد غير الله فقد جهل نفسه لأنه لم يعرف أنّ الله خلقها ، وقد جاء : من عرف نفسه فقد عرف ربّه (١) ، وفي الأخبار (٢) : أن الله تعالى أوحى إلى داود : اعرف نفسك واعرفني ، فقال : يا رب كيف أعرف نفسي وكيف أعرفك؟ فأوحى الله إليه : اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء ، واعرفني بالقوة والقدرة والبقاء. وقال الأخفش : معناه سفه في نفسه ، و (نَفْسَهُ) على هذا القول : نصب بنزع حرف الصفة ، وقال الفراء : نصب على التفسير ، وكان الأصل سفهت نفسه ، فلما أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس مفسّرة ليعلم موضع السفه ، كما يقال : ضقت به ذرعا أو ضاق ذرعي به ، (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) : اخترناه في الدنيا ، (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ، يعني : مع الأنبياء في الجنّة ، وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين.
(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) ، أي : استقم على الإسلام واثبت عليه ، لأنه كان مسلما ، قال ابن عباس : قال له ذلك حين خرج من السرب ، وقال الكلبي : أخلص دينك وعبادتك لله ، وقال عطاء : أسلم نفسك إلى الله عزوجل وفوّض أمورك إليه ، (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ، أي : فوّضت ، قال ابن عباس : وقد حقّق ذلك حيث لم يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار.
__________________
(١) هو خبر إسرائيلي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهالله : موضوع. انظر «كشف الخفاء» (٢ / ٢٦٢ / ٢٥٣٢)
__________________
(١) زيد في المخطوط وحده «عمل».
(٢) في المخطوط ـ أ ـ «الخبر».