وهو سهو وغفلة بلا قصد ، ولا عمد. ثم سها أيضا عن الأصل الأول ، الذي عليه المعول ، إذ لم يلتزم بصاحبه السابق له بفعله الذي هو المنبعث الأول ، ولم يعترف بسبقه وبفضله ، فكان كاملا في ذاته ، ناقصا في فعله (١) إذ لم يتم له الكمال الثاني بجميع حقوقه وحدوده ، فقام بالقوة التي هي كماله الأول من الحياة التي هي أصل الجميع وكمالهم الأول.
فلمّا كان ذلك كذلك احتجب المبدع الأول القائم بالفعل بالمنبعث الأول ، كاحتجاب المتعالي سبحانه به ، وذلك لتمامه وكماله وعلوه (٢) ، وجلاله ، وفعله في التزامه بحده ، وتقديسه وتمجيده ، وشهادته لمن شهد له بما شهد به ، واتحد به المبدع بمعنويته.
ثم وقعت الدعوة لذلك العالم به ، فأجاب البعض بالتلبية والإنابة والتسبيح ، والتقديس ، والتمجيد له ، ولمن دعاهم إليه ، ودلهم عليه ، لكونه قد صار غيبا لا يدرك لما احتجب به ، وتقاطر الذين أجابوا فئة بعد فئة (٣) ، سبع فئات (٤).
__________________
ـ السابق الذي هو المبدع الأول ولا بمرتبة التالي الذي هو المنبعث الأول ، ويريد بذلك أن المنبعث الثاني غفل عن إعطاء السابق والتالي ما لهما من منزلة روحية عقلية جوهرية. ومن هذه النظرية ينطلق الهبوط النفساني الملكوتي إلى عالم الكون والفساد.
(١) لأنه بوجوده الانبعاثي دونهما في الشرف والتقدم ، ولقد أوجب حكم الوجود أن يكون التمام والتام واقع على المبدأ الأول الذي هو المعلول الأول والانبعاث الأول ، والعلة تكون أدون من المعلول لأنها دونه في الشرف.
(٢) يريد أن الناطق في عالم الدين الذي هو السابق ، والوصي أو الإمام الذي هو التالي هويتهما هوية واحدة. لأن الناطق الذي قيامه في عالم الجسم قائما مقام السابق من عالم العقول والوصي أو الأساس الذي قيامه في عالم الجسم قائما مقام التالي في عالم العقول ، والإضافة تكون بالرتبة لا بالذات لأن كل واحد منهما تام في ذاته لا نقص فيه.
(٣) يريد أولئك الذين استنارت بصائرهم وعرفوا هذه الحدود العرفانية القدسية العقلانية كما رتبت عن طريق الإبداع والانبعاث.
(٤) مرتبة حسب الفضائل والأنوار المفاضة على كل منها من علته السابقة له في الوجود الانبعاثي والمؤثرة فيما دونها. وكل منها علة قريبة لوجود ما دونه.