قال الله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (١). يقول ما خلقكم الأول بأجسامكم التي تدرك بالحواس ، ولا بعثكم في أنفسكم الذي هو الخلق الثاني ويدرك بالعقل ، إلّا كنفس واحدة الأيسان (٢) مثل إن كشيء واحد. فخص اسم الفعل فيما كان جسما محسوسا بالخلق ، وفيما كان نفسا عقلا غير محسوس بالبعث. فكذلك كون الأمر على نظام واحد عبر عن كيفية البعث المعقول بالخلق الأول المحسوس. فقال تعالى (٣) (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) (٤). أي (٥) يقول : إن كنتم ليس تعلمون البعث الذي هو النشأة الآخرة «التي هي خلق الأرواح وإحياؤها بروح القدس الآخرة» (٦) وأنتم في شك منه بخلوكم ممّا يدلكم عليه ، فاعلموا ذلك من خلقنا أجسامكم ، (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ) (٧). يعني أشخاصكم قبل التناسل (مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) (٨) عند أنّه قال : الأمر إلى التناسل. (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) (٩) «رتبة تبلغها النطفة والدم عند امتزاجهما في الأرحام ثم من مضغة كذلك» (١٠) رتبة تبلغها العلقة فتكون منها مخلقة مصورة تامة ، وغير مخلقة مصورة ناقصة التي هي كلها مدركة من قبل النشأة الأولى «فلولا تذكرون» فهل (١١) لا تفكرون وتوازنون فتعلمون أن النظام في الخلق واحد ، وإن النشأة الآخرة التي هي خلق الأرواح وإحياؤها بروح القدس على مثال النشأة الأولى.
ولما كان الأمر في وجود النفس وكمالها ، كالأمر في جسمها ، كما نطق به الكتاب الكريم ، فوجدنا جسمها في وجوده في الأحشاء كائنا بقوة النماء الحاصلة له من مزاوجة الطبيعي ، فهو لا يزال يكتسب (١٢) بالاستمداد ، واجتلاب
__________________
(١) سورة : ٣١ / ٢٨.
(٢) الأيسان : الأرسان في ج.
(٣) تعالى : سقطت في ط.
(٤) سورة : ٢٢ / ٥.
(٥) أي : سقطت في ط.
(٦) سقطت الكلمات الموضوعة داخل قوسين من ج.
(٧) سقطت الكلمات الموضوعة داخل قوسين من ج.
(٨) فهل : فهلا في ط.
(٩) يكتسب : سقطت في ج.