فكان عكس الأفلاك من فوق لما يراد ثباته وتمامه وكماله ، وكان من تحت الأرض ثابتا لما يراد عكسه وتشويهه ومسخه لعذابه وإهانته.
ونحن نبين حال الكواكب السبعة ، وما الأشرف منها ، وذلك أن الحياة الهيولانية التي هي الصورة بلسان التأويل ، والنفس الحسية بلسان الحقيقة التي ملأت السموات (١) والأرض كما قال تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (٢).
ولما امتزجت عند الهبوط فصار منها هيولى ، وهي النامية ، وانفعلت على ما صورنا ، وحدث الجو المنفهق الذي هو عرصة المكان ، وامتلأ أفلاكا وأمهات ، وكواكب وأملاكا ، وكواكب أمهات ؛ كان مبدأها على سبيل الخلقة الحيوانية ، وذلك أن هذه الحياة لما امتزجت وتحركت ، ولزمها الأبعاد ، وكان لها مركز جامع لكلها ، فكانت الشمس التي هي النير الأعظم ، وهميا ، باطنها برودة ورطوبة ، وظاهرها حرارة ويبوسة ، فكملت طبائعها باطنا وظاهرا ، فاتحدت الحياة بها ، كما تتحد النفس الحسية بالقلب.
فهذه الحياة التي أقرت بالحد الأعظم ، وتكبرت على أبوابه الروحانية (٣) وحجبه التي دعيت منها فعصت. ثم تكون القمر ، فكان باطنه حارا يابسا ، وظاهره باردا رطبا ، وبذلك ثبت بين هذا النيرين التزاوج والمناسبة ؛ فالقمر قابل من الشمس بباطنه المناسب لظاهرها ، «والشمس تجتذب منه بباطنها المناسب لظاهره» (٤) وبذلك ثبت أفعالهما في المواليد ، ولو كان ما يرون
__________________
(١) النفس الحسية أي النفس التي تحس بالصورة وتعلمها وتفكر وهي غير قائمة بالفعل ، بل هي قائمة بالقوة ويكون كمالها من قبل من هو في الرتبة فوقها لذاتها لا لجسمها فتصير عقلا قائما بالفعل وذلك عند ما تدرك محسوسها وتقبل صورته.
(٢) سورة : ٢ / ٢٥٥.
(٣) يعني الحدود المتصلة بعضها ببعض من أعلى الموجودات إلى الأنفس الطبيعية.
(٤) سقطت الكلمات الموضوعة داخل قوسين من ج وط.