ولمّا كان الإبداع الذي هو المبدع الأول والملك الأول خارجا عن الجسم مفارقا ، ولم يكن مثله لزم لما لم يكن مثله أن يكون الإبداع الذي بذاته ، علة قريبة لوجود ما في الإمكان أن (١) يوجد عنه ممّا يجب أن يكون ، وأن يترتب دونه ممّا وجد عنه ما يكون علّة لوجود ما سواه ، وأن يوجد فيه ممّا به كماله ، ما يكون من جنس هذا المفارق الخارج عنه القائم بالفعل ، ليكون بكونه من جنسه فاعلا ، فيكون باقترانهما في الوجود ، وإذا نهض لما يوجبه كماله حدوث الحركة التي بها يتعلق وجود الموجودات في عالم الجسم ، وبها يصير محركا متحركا لا عن قصد منه لأن يكون متحركا ، ولا لأن يكون محركا ، بل لأن يقدس المتعالي سبحانه وما عنه وجوده ، الذي فيه فرحه وحبوره وكماله ، فكان الذي في هذا الموجود الأول من الهيولى الذي هو من جنس ما هو خارج عنها ممّا لا وجود لها إلّا به ، هو الحياة المعرب عنها بالصورة التي هي العاقلة لذاتها ولذات ما هي فيه من الجسم ، وإذا نهضت لفعل ما يوجبه كماله من استدامة المسرّة بالتقديس والتمجيد ، تحرك بحركته المتحرك من جسمه. ولما كان ذلك كذلك قلنا :
إن سبب كون هذا المحرك ناهضا للفعل الذي يلزمه الحركة فيكون متحركا ، هو أنّه لما كان هذا المحرك المتحرك الأول من شيئين يعقل بأحدهما بكونه من جنس ما يعقل ، وكانت غايته وكماله الثاني الذي به يتعلق بقاؤه وقيامه بالتقديس والتمجيد ، وفيه سروره وبهجته ، ودوامه في عقل ما به وجوده [وعنه وجوده (٢)] من الموجود الأول السابق عليه في الوجود «فأحاط بذاته من جهة ما يعقل فعقلها وعقل الموجود السابق عليه في
__________________
(١) انظر المشرع الرابع من السور الخامس من كتاب راحة العقل للكرماني.
(٢) هذه العبارة (وعنه وجوده) غير موجودة في الأصل المنقول عن راحة العقل.