فأما الذين يرتكسون بفطرتهم إلى أسفل سافلين ، فيظلون ينحدرون بها في المنحدر ، حتى تستقر في الدرك الأسفل. هناك في جهنم ، حيث تهدر آدميتهم ، ويتمحضون للسفول!
فهذه وتلك نهايتان طبيعيتان لنقطة البدء .. إما استقامة على الفطرة القويمة ، وتكميل لها بالإيمان ، ورفع لها بالعمل الصالح .. فهي واصلة في النهاية إلى كمالها المقدر في حياة النعيم .. وإما انحراف عن الفطرة القويمة ، واندفاع مع النكسة ، وانقطاع عن النفخة الإلهية .. فهي واصلة في النهاية إلى دركها المقرر في حياة الجحيم.
ومن ثم تتجلى قيمة الإيمان في حياة الإنسان .. إنه المرتقى الذي تصل فيه الفطرة القويمة إلى غاية كمالها. إنه الحبل الممدود بين الفطرة وبارئها. إنه النور الذي يكشف لها مواقع خطاها في المرتقى الصاعد إلى حياة الخالدين المكرمين.
وحين ينقطع هذا الحبل ، وحين ينطفئ هذا النور ، فالنتيجة الحتمية هي الارتكاس في المنحدر الهابط إلى أسفل سافلين ، والانتهاء إلى إهدار الآدمية كلية ، حين يتمحض الطين في الكائن البشري ، فإذا هو وقود النار مع الحجارة سواء بسواء!
* * *
وفي ظل هذه الحقيقة ينادى (الْإِنْسانَ) :
(فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ؟ أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ؟) ..
فما يكذبك بالدين بعد هذه الحقيقة؟ وبعد إدراك قيمة الإيمان في حياة البشرية؟ وبعد تبين مصير الذين لا يؤمنون ، ولا يهتدون بهذا النور ، ولا يمسكون بحبل الله المتين؟
(أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ؟) .. أليس الله بأعدل العادلين حين يحكم في أمر الخلق على هذا النحو؟ أو أليست حكمة الله بالغة في هذا الحكم على المؤمنين وغير المؤمنين؟
والعدل واضح. والحكمة بارزة .. ومن ثم ورد في الحديث المرفوع عن أبي هريرة : «فإذا قرأ أحدكم (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) فأتى آخرها : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ؟) .. فليقل .. بلى (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) ..
* * *