(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ : فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ؟). وهي إشارة إلى قصتين طويلتين ، ارتكانا إلى المعلوم من أمرهما للمخاطبين ، بعد ما ورد ذكرهما كثيرا في القرآن الكريم. ويسميهم الجنود. إشارة إلى قوتهم واستعدادهم .. هل أتاك حديثهم؟ وكيف فعل ربك بهم ما يريد؟
وهما حديثان مختلفان في طبيعتهما وفي نتائجهما .. فأما حديث فرعون ، فقد أهلكه الله وجنده ونجى بني إسرائيل ، ومكن لهم في الأرض فترة ، ليحقق بهم قدرا من قدره ، وإرادة من إرادته. وأما حديث ثمود فقد أهلكهم الله عن بكرة أبيهم وأنجى صالحا والقلة معه حيث لم يكن لهم بعد ذلك ملك ولا تمكين. إنما هي مجرد النجاة من القوم الفاسقين.
وهما نموذجان لفعل الإرادة ، وتوجه المشيئة. وصورتان من صور الدعوة إلى الله واحتمالاتها المتوقعة ، إلى جانب الاحتمال الثالث الذي وقع في حادث الأخدود .. وكلها يعرضها القرآن للقلة المؤمنة في مكة ، ولكل جيل من أجيال المؤمنين ..
* * *
وفي الختام يجيء إيقاعان قويان جازمان. في كل منهما تقرير ، وكلمة فصل وحكم أخير :
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ، وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) ..
فشأن الكفار وحقيقة حالهم أنهم في تكذيب يمسون به ويصبحون. (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) .. وهم غافلون عما يحيط بهم من قهر الله وعلمه. فهم أضعف من الفيران المحصورة في الطوفان العميم!
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) ..
والمجيد الرفيع الكريم العريق .. وهل أمجد وأرفع وأعرق من قول الله العظيم؟ وهو في لوح محفوظ. لا ندرك نحن طبيعته ، لأنه من أمر الغيب الذي تفرد الله بعلمه. إنما ننتفع نحن بالظل الذي يلقيه التعبير ، والإيحاء الذي يتركه في القلوب. وهو أن هذا القرآن مصون ثابت ، قوله هو المرجع الأخير ، في كل ما يتناوله من الأمور. يذهب كل قول ، وقوله هو المرعي المحفوظ ..
ولقد قال القرآن قوله في حادث الأخدود ، وفي الحقيقة التي وراءه .. وهو القول الأخير ..
* * *