الذي أسره إلى بعض أزواجه. وأنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين راجعها فيه اكتفى بالإشارة إلى جانب منه. ترفعا عن السرد الطويل ، وتجملا عن الإطالة في التفصيل ؛ وأنه أنبأها بمصدر علمه وهو المصدر الأصيل :
«فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض. فلما نبأها به قالت : من أنبأك هذا؟ قال : نبأني العليم الخبير» ..
والإشارة إلى العلم والخبرة هنا إشارة مؤثرة في حالة التآمر والمكايدات المحبوكة وراء الأستار! ترد السائلة إلى هذه الحقيقة التي ربما نسيتها أو غفلت عنها ، وترد القلوب بصفة عامة إلى هذه الحقيقة كلما قرأت هذا القرآن.
ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر :
(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما. وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) ..
وحين نتجاوز صدر الخطاب ، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى الله ، فقد بعدت عنه بما كان منها .. حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديدا رعيبا مخيفا ..
ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين. والملائكة بعد ذلك ظهير! ليطيب خاطر الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير!
ولا بد أن الموقف في حس رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة. ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر ـ رضي الله عنهما ـ وهو يسأله : جاءت غسان؟ فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول. وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة ، وهجومها إذ ذاك أمر خطير. ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير ، وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن. وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الجماعة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور. وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر ، فهو إذن صحيح قويم عميق.
وكذلك دلالة الآية التالية ، وتفصيل صفات النساء اللواتي يمكن أن يبدل الله النبي بهن من أزواجه ولو طلقهن. مع توجيه الخطاب للجميع في معرض التهديد :
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ ، مُؤْمِناتٍ ، قانِتاتٍ ، تائِباتٍ ، عابِداتٍ ، سائِحاتٍ ، ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) ..
وهي الصفات التي يدعوهن إليها عن طريق الإيحاء والتلميح.
الإسلام الذي تدل عليه الطاعة والقيام بأوامر الدين. والإيمان الذي يعمر القلب ، وعنه ينبثق الإسلام حين يصح ويتكامل. والقنوت وهو الطاعة القلبية. والتوبة وهي الندم على ما وقع من معصية والاتجاه إلى الطاعة. والعبادة وهي أداة الاتصال بالله والتعبير عن العبودية له. والسياحة وهي التأمل والتدبر وللتفكر في إبداع الله والسياحة بالقلب في ملكوته. وهن ـ مع هذه الصفات ـ من الثيبات ومن الأبكار. كما أن نساءه الحاضرات كان فيهن الثيب وفيهن البكر.