كما ورد مشهد للكافرين في هذه النار. واختتمت السورة بالحديث عن امرأة نوح وامرأة لوط كمثل للكفر في بيت مؤمن. وعن امرأة فرعون كمثل للإيمان في بيت كافر ، وكذلك عن مريم ابنة عمران التي تطهرت فتلقت النفخة من روح الله وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ..
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ ، تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ، فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ : مَنْ أَنْبَأَكَ هذا؟ قالَ : نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ، وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ. عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) ..
وردت في سبب نزول هذه الآيات روايات متعددة منها ما رواه البخاري عند هذه الآية قال : حدثنا إبراهيم ابن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة ، قالت : كان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ، ويمكث عندها. فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير (١). إني أجد منك ريح مغافير. قال : «لا. ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له. وقد حلفت. لا تخبري بذلك أحدا» .. فهذا هو ما حرمه على نفسه وهو حلال له : «لم تحرم ما أحل الله لك؟».
ويبدو أن التي حدثها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هذا الحديث وأمرها بستره قالت لزميلتها المتآمرة معها. فأطلع الله رسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على الأمر. فعاد عليها في هذا وذكر لها بعض ما دار بينها وبين زميلتها دون استقصاء لجميعه. تمشيا مع أدبه الكريم. فقد لمس الموضوع لمسا مختصرا لتعرف أنه يعرف وكفى. فدهشت هي وسألته : «من أنبأك هذا؟» .. ولعله دار في خلدها أن الأخرى هي التي نبأته! ولكنه أجابها : «نبأني العليم الخبير» .. فالخبر من المصدر الذي يعلمه كله. ومضمون هذا أن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يعلم كل ما دار ، لا الطرف الذي حدثها به وحده!
وقد كان من جراء هذا الحادث ، وما كشف عنه من تآمر ومكايدات في بيت الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن غضب. فآلى من نسائه لا يقربهن شهرا ، وهم بتطليقهن ـ على ما تسامع المسلمون ـ ثم نزلت هذه الآيات. وقد هدأ غضبه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فعاد إلى نسائه بعد تفصيل سنذكره بعد عرض رواية أخرى للحادث.
وهذه الرواية الأخرى أخرجها النسائي من حديث أنس ، أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان له أمة يطؤها ، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها. فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ ؛ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) ...
وفي رواية لابن جرير ولابن إسحاق أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وطئ مارية أم ولده إبراهيم في بيت حفصة. فغضبت وعدتها إهانة لها. فوعدها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بتحريم مارية وحلف بهذا.
__________________
(١) المغافير : صمغ حلو الطعم كريه الرائحة.