حياته وفي أزواجه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على اختلاف الدوافع والأسباب.
ولقد عاش في بيته مع أزواجه بشرا رسولا كما خلقه الله ، وكما أمره أن يقول : «قل : سبحان ربي! هل كنت إلا بشرا رسولا؟» ..
استمتع بأزواجه وأمتعهن ، كما قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عنه : «كان إذا خلا بنسائه ألين الناس. وأكرم الناس ضحاكا بساما (١)» .. ولكنه إنما كان يستمتع بهن ويمتعهن من ذات نفسه ، ومن فيض قلبه ، ومن حسن أدبه ، ومن كريم معاملته. فأما حياتهن المادية فكانت في غالبها كفافا حتى بعد أن فتحت له الفتوح وتبحبح المسلمون بالغنائم والفيء. وقد سبق في سورة الأحزاب قصة طلبهن الوسعة في النفقة ، وما أعقب هذا الطلب من أزمة ، انتهت بتخييرهن بين الله ورسوله والدار الآخرة ، أو المتاع والتسريح من عصمته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة (٢).
ولكن الحياة في جو النبوة في بيوت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم تكن لتقضي على المشاعر البشرية ، والهواتف البشرية في نفوس أزواجه ـ رضي الله عنهن ـ فقد كان يبدر أو يشجر بينهن ، ما لا بد أن يشجر في قلوب النساء في مثل هذه الحال. وقد سلف في رواية ابن إسحاق عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كرهت جويرية بمجرد رؤيتها لما توقعته من استملاح رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لها إذا رآها. وصح ما توقعته فعلا! وكذلك روت هي نفسها حادثا لها مع صفية. قالت. «قلت للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم : حسبك من صفية كذا وكذا. قال الراوي : تعني قصيرة! فقال صلىاللهعليهوسلم : «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته (٣)» .. كذلك روت عن نفسها أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين نزلت آية التخيير التي في الأحزاب ، فاختارت هي الله ورسوله والدار الآخرة ، طلبت إليه ألا يخبر زوجاته عن اختيارها! ـ وظاهر لما ذا طلبت هذا! ـ فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إن الله تعالى لم يبعثني معنفا ، ولكن بعثني معلما ميسرا. لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها .. (٤)».
وهذه الوقائع التي روتها عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن نفسها ـ بدافع من صدقها ولتربيتها الإسلامية الناصعة ـ ليست إلا أمثلة لغيرها تصور هذا الجو الإنساني الذي لا بد منه في مثل هذه الحياة. كما تصور كيف كان الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يؤدي رسالته بالتربية والتعلية في بيته كما يؤديها في أمته سواء.
* * *
وهذا الحادث الذي نزل بشأنه صدر هذه السورة هو واحد من تلك الأمثلة التي كانت تقع في حياة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وفي حياة أزواجه. وقد وردت بشأنه روايات متعددة ومختلفة سنعرض لها عند استعراض النصوص القرآنية في السورة.
وبمناسبة هذا الحادث وما ورد فيه من توجيهات. وبخاصة دعوة الزوجتين المتآمرتين فيه إلى التوبة. أعقبه في السورة دعوة إلى التوبة وإلى قيام أصحاب البيوت على بيوتهم بالتربية ، ووقاية أنفسهم وأهليهم من النار.
__________________
(١) رواه السيوطي في الجامع الصغير عن ابن سعد وابن عساكر عن عائشة.
(٢) ص ٢٨٥٣ ـ ٢٨٥٥ الجزء الثاني والعشرون.
(٣) أخرجه أبو داود.
(٤) أخرجه مسلم.