الثانية ثم الثالثة ليطيل مدة بقائها بلا زواج! أو أن يراجعها ليبقيها كالمعلقة ، ويكايدها لتفتدي منه نفسها ـ وكان كلاهما يقع عند نزول هذه السورة ، وهو ما يزال يقع كلما انحرفت النفوس عن تقوى الله. وهي الضمان الأول لأحكامه في المعاشرة والفراق. كذلك هو منهي عن المضارة في الفراق بالسب والشتم والغلظة في القول والغضب ، فهذه الصلة تقوم بالمعروف وتنتهي بالمعروف استبقاء لمودات القلوب ؛ فقد تعود إلى العشرة ، فلا تنطوي على ذكرى رديئة ، لكلمة نابية ، أو غمزة شائكة ، أو شائبة تعكر صفاءها عند ما تعود. ثم هو الأدب الإسلامي المحض الذي يأخذ الإسلام به الألسنة والقلوب.
وفي حالتي الفراق أو الرجعة تطلب الشهادة على هذه وذاك. شهادة اثنين من العدول. قطعا للريبة. فقد يعلم الناس بالطلاق ولا يعلمون بالرجعة ، فتثور شكوك وتقال أقاويل. والإسلام يريد النصاعة والطهارة في هذه العلاقات وفي ضمائر الناس وألسنتهم على السواء. والرجعة تتم وكذلك الفرقة بدون الشهادة عند بعض الفقهاء ولا تتم عند بعضهم إلا بها. ولكن الإجماع أن لا بد من الشهادة بعد أو مع الفرقة أو الرجعة على القولين. وعقب بيان الحكم تجيء اللمسات والتوجيهات تترى :
(وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) ..
فالقضية قضية الله ، والشهادة فيها لله ، هو يأمر بها ، وهو يراقب استقامتها ، وهو يجزي عليها. والتعامل فيها معه لا مع الزوج ولا الزوجة ولا الناس!
(ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
والمخاطبون بهذه الأحكام هم المؤمنون المعتقدون باليوم الآخر. فهو يقول لهم : إنه يعظهم بما هو من شأنهم. فإذا صدقوا الإيمان به وباليوم الآخر فهم إذن سيتعظون ويعتبرون. وهذا هو محك إيمانهم ، وهذا هو مقياس دعواهم في الإيمان!
(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ..
مخرجا من الضيق في الدنيا والآخرة ، ورزقا من حيث لا يقدر ولا ينتظر. وهو تقرير عام ، وحقيقة دائمة. ولكن إلصاقها هنا بأحكام الطلاق يوحي بدقة انطباقها وتحققها عند ما يتقي المتقون الله في هذا الشأن بصفة خاصة. وهو الشأن الذي لا ضابط فيه أحس ولا أدق من ضابط الشعور والضمير ، فالتلاعب فيه مجاله واسع ، لا يقف دونه إلا تقوى الله وحساسية الضمير.
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) ..
فمجال الكيد في هذه العلاقة واسع ، ومسالكه كثيرة ، وقد تؤدي محاولة اتقاء الكيد إلى الكيد! فهنا إيحاء بترك هذه المحاولة ، والتوكل على الله ، وهو كاف لمن يتوكل عليه. فالله بالغ أمره. فما قدر وقع ، وما شاء كان ؛ فالتوكل عليه توكل على قدرة القادر ، وقوة القاهر. الفعال لما يريد. البالغ ما يشاء.
والنص عام. والمقصود به هو إنشاء التصور الإيماني الصحيح في القلب ، بالنسبة لإرادة الله وقدره .. ولكن وروده هنا بمناسبة أحكام الطلاق له إيحاؤه في هذا المجال وأثره.
(قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) ..
فكل شيء مقدر بمقداره ، وبزمانه ، وبمكانه ، وبملابساته ، وبنتائجه وأسبابه. وليس شيء مصادفة ، وليس شيء جزافا. في هذا الكون كله ، وفي نفس الإنسان وحياته .. وهي حقيقة ضخمة يقوم عليها جانب