ومنها : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ، وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ. وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) .. ومنها : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ. وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) .. وهذه وغيرها تشير إلى ذلك الحادث الهائل الذي سيقع في الكون كله. ولا يعلم حقيقته إلا الله ..
(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) .. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) ولا تكذيب عندئذ ولا نكران ..
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) .. وذلك في موقف من مواقف ذلك اليوم المشهود. الذي ستكون فيه مواقف شتى. منها ما يسأل فيه العباد ، ومنها ما لا يسألون فيه عن شيء. ومنها ما تجادل كل نفس عن نفسها ، وما تلقي به التبعة على شركائها ، ومنها ما لا يسمح فيه بكلمة ولا جدال ولا خصام! فهو يوم طويل مديد. وكل موقف من مواقفه هائل مشهود.
وهنا موقف : لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان. ذلك حين تعرف صفة كل فرد وعمله. وتبدو في الوجوه معالم الشقوة سوادا ، ومعالم النجوة بياضا ، ويظهر هذا وذاك في سيما الوجوه. ففي هذا الموقف هل من تكذيب ونكران : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟)!
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ).
وهو مشهد عنيف ومع العنف الهوان. حيث تجمع الأقدام إلى الجباه ، ثم يقذف المجرمون على هذه الهيئة إلى النار .. فهل حينذلك من تكذيب أو نكران؟
وبينما المشهد معروض ، والأخذ بالنواصي والأقدام والقذف في النار مستمر ، يلتفت السياق إلى شهود هذا الاستعراض ، وكأنهم حاضرون عند تلاوة السورة فيقول لهم :
(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) .. هذه هي حاضرة معروضة ـ كما ترون ـ (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) .. متناه في الحرارة كأنه الطعام الناضج على النار! وهم يتراوحون بين جهنم وبين هذا السائل الآني. انظروا إنهم يطوفون الآن! (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟)!
هذه ضفة العذاب الأليم. والآن إلى ضفة النعيم والتكريم :
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) ..
وللمرة الأولى ـ فيما مر بنا من سور القرآن ـ تذكر الجنتان. والأظهر أنهما ضمن الجنة الكبيرة المعروفة! ولكن اختصاصهما هنا بالذكر قد يكون لمرتبتهما. وسيأتي في سورة الواقعة أن أصحاب الجنة فريقان كبيران : هما السابقون المقربون. وأصحاب اليمين. ولكل منهما نعيم. فهنا كذلك نلمح أن هاتين الجنتين هما لفريق ذي مرتبة عالية. وقد يكون فريق السابقين المقربين المذكورين في سورة الواقعة. ثم نرى جنتين أخريين من دون هاتين. ونلمح أنهما لفريق يلي ذلك الفريق. وقد يكون هو فريق أصحاب اليمين.
على أية حال فلنشهد الجنتين الأوليين ، ولنعش فيهما لحظات!
إنهما (ذَواتا أَفْنانٍ) .. والأفنان الأغصان الصغيرة الندية. فهما ريانتان نضرتان.
(فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) .. فماؤهما غزير ، وسهل يسير.
(فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) .. ففاكهتهما منوعة كثيرة وفيرة.
وأهل الجنتين ما حالهم؟ إننا ننظرهم : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) والإستبرق المخمل الحرير السميك. فكيف بظهائر هذه الفرش إذا كانت تلك بطائنها؟