ويحك يا نفس!.
انزعي عن جهلك ، وقيسي آخرتك بدنياك ، فما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ، وكما بدأنا أول خلق نعيده ، وكما بدأكم تعودون. وسنة الله تعالى لا تجدين لها تبديلا ولا تحويلا.
ويحك يا نفس!
ما أراك الا ألفت الدنيا ، وأنست بها ، فعسر عليك مفارقتها وأنت مقبلة على مقاربتها ، وتؤكدين في نفسك مودتها ، فاحسبي أنك غافلة عن عقاب الله وثوابه ، وعن أهوال القيامة وأحوالها ، أفما أنت مؤمنة بالموت المفرق بينك وبين محابك؟.
أفترين أن من يدخل دار ملك ليخرج من الجانب الآخر ، فمد بصره الى وجه مليح يعلم أنه يستغرق ذلك قلبه ، ثم يضطر لا محالة الى مفارقته ، أهو معدود من العقلاء أم من الحمقى؟. أما تعلمين أن الدنيا دار لملك الملوك ، وما لك فيها الا مجاز (١) ، وكل ما فيها لا يصحب المجتازين بها بعد الموت ، ولذلك قال سيد البشر صلىاللهعليهوسلم : «ان روح القدس (٢) نفث في روعي : أحبب من أحببت فانك مفارقه ، وأعمل ما شئت فانك مجزي به ، وعش ما شئت فانك ميت».
ويحك يا نفس!.
أتعلمين أن كل من يلتفت الى ملاد الدنيا ، ويأنس بها مع أن الموت من ورائه ، فانما يستكثر من الحسرة عند المفارقة ، وانما يتزود من السم المهلك وهو لا يدري؟.
__________________
(١) مجاز : معبر وطريق. ويقال : جاز فلان الطريق يجوزه جوزا : سلكه وقطعه.
(٢) روح القدس : جبريل عليهالسلام. ونفث في روعي : القى وأوحى في نفسي وخلدي.