المجيد كتاب دين وتشريع ، وكتاب عقائد وعبادات ومعاملات ، وكتاب عبر وعظات ، فإنه في الوقت نفسه كتاب أخلاق ، ولقد تحدث القرآن عن مكارم الأخلاق ومحامد الخصال حديثه الموجز المبين ، فصار رائدا لكل مؤمن راغب في التحلي بالفضائل ، والتزين بمحاسن الطباع ، ولعل هذا مما يشير إليه قول الحق تبارك وتعالى في سورة الإسراء : «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ». وقوله في سورة الشورى : «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ، ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا ، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ».
وإذا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو المثل الأعلى في مكارم الأخلاق ، لأن الله صنعه على عينه ، حتى قال صلوات الله وسلامه عليه : «أدبني ربي فأحسن تأديبي» ، فإن هذا الكمال الأخلاقي قد تحقق الرسول لأنه كان خير من اهتدى بهدي القرآن ، وتحلى بأخلاق القرآن ؛ ولقد سأل هشام بن حكيم السيدة عائشة رضي الله عنها ، عن خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأجابت بقولها : كان خلقه القرآن ، أي كان متمسكا بآدابه وأوامره ونواهيه ، وما يشتمل عليه من المكارم والمحاسن والألطاف.
وكان هذا الجواب المختصر الجليل سببا في أن يقول هشام : لقد هممت أن أقوم ولا أسأل شيئا.
ولقد تعرض كتاب الله تعالى لأصول الأخلاق التي يريد الله لعباده أن يتحلوا بها ، وأن يستجيبوا لروحها ، ولذلك هدف حديث القرآن عن الأخلاق إلى غاية سامية جليلة ، هي أن يكون المسلم المؤمن المتخلق بمكارم الأخلاق صالحا لتلقي الإشراقات الروحية ، والفيوضات الإلهية التي تجعله يسيطر بروحه على بدنه ، ويسمو بنفسه فوق حسه ، ويستجيب لعقله أكثر مما يستجيب لعاطفته ، ويحسن الوفاق بين لبه وقلبه ، فإذا هو سليم الفؤاد ، حكيم المقال ، رشيد الفعال ، لديه من الحصانة ما يجعله يتأبى على الخطيئة والإثم ، ولديه من نور