قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢)
هذه الجولة أوسع مقاطع السورة. وهي تتناول حقيقة التوحيد من جوانب متعددة في لمسات متنوعة. تبدأ بتصوير حقيقة القلب المؤمن وموقفه بإزاء قوى الأرض واعتداده بالقوة الوحيدة ؛ واعتماده عليها دون مبالاة بسواها من القوى الضئيلة الهزيلة. ومن ثم ينفض يده من هذه القوى الوهمية ويكل أمره وأمر المجادلين له إلى الله يوم القيامة ؛ ويمضي في طريقه ثابتا واثقا مستيقنا بالمصير.
يتلو هذا بيان وظيفة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأنه ليس وكيلا على العباد في هداهم وضلالهم. إنما الله هو المسيطر عليهم ؛ الآخذ بناصيتهم في كل حالة من حالاتهم. وليس لهم من دونه شفيع فإن لله الشفاعة جميعا. وإليه ملك السماوات والأرض. وإليه المرجع والمصير.
ثم يصف المشركين وانقباض قلوبهم عند ذكر كلمة التوحيد وانبساطها عند ذكر كلمة الشرك. ويعقب على هذا بدعوة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى إعلان كلمة التوحيد خالصة ، وترك أمر المشركين لله. ويصورهم يوم القيامة وهم يودون لو يفتدون بملء الأرض ومثله معه. وقد تكشف لهم من الله ما يذهل ويخيف!
ذلك. وهم يدعون الله وحده إذا أصابهم الضر. فإذا وهبهم منه نعمة ادعوا دعاوي عريضة وقال قائلهم : إنما أوتيته على علم عندي! الكلمة التي قالها الذين من قبلهم فأخذهم الله القادر على أن يأخذ هؤلاء. وما هم بمعجزين. وما كان بسط الرزق وقبضه إلا سنة من سنن الله ، تجري وفق حكمته وتقديره وهو وحده الباسط القابض : «إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون» ..
* * *
(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ؟ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ. وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ. وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ. أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ. قُلْ : أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ، إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ؟ قُلْ : حَسْبِيَ اللهُ ، عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ. قُلْ : يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ