يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) (٢٠)
هذا المقطع كله يظلله جو الآخرة ، وظل الخوف من عذابها ، والرجاء في ثوابها. ويبدأ بتوجيه الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى إعلان كلمة التوحيد الخالصة ؛ وإعلان خوفه ـ وهو النبي المرسل ـ من عاقبة الانحراف عنها ، وإعلان تصميمه على منهجه وطريقه ، وتركهم هم إلى منهجهم وطريقهم. وبيان عاقبة هذا الطريق وذاك ، يوم يكون الحساب.
* * *
(قُلْ : إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ؛ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ : إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ..
وهذا الإعلان من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بأنه مأمور أن يعبد الله وحده ، ويخلص له الدين وحده ؛ وأن يكون بهذا أول المسلمين ؛ وأنه يخاف عذاب يوم عظيم إن هو عصى ربه .. هذا الإعلان ذو قيمة كبرى في تجريد عقيدة التوحيد كما جاء بها الإسلام. فالنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في هذا المقام هو عبد لله. هذا مقامه لا يتعداه. وفي مقام العبادة يقف العبيد كلهم صفا ، وترتفع ذات الله سبحانه متفردة فوق جميع العباد .. وهذا هو المراد.
وعند ذلك يقر معنى الألوهية ، ومعنى العبودية ، ويتميزان ، فلا يختلطان ولا يشتبهان ، وتتجرد صفة الوحدانية لله سبحانه بلا شريك ولا شبيه. وحين يقف محمد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في مقام العبودية لله وحده يعلن هذا الإعلان ، ويخاف هذا الخوف من العصيان ، فليس هنالك مجال لدعوى شفاعة الأصنام أو الملائكة بعبادتهم من دون الله أو مع الله بحال من الأحوال.
ومرة أخرى يكرر الإعلان مع الإصرار على الطريق ، وترك المشركين لطريقهم ونهايته الأليمة :
(قُلِ : اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ. قُلْ : إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ. أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) ..
مرة أخرى يعلن : إنني ماض في طريقي. أخص الله بالعبادة ، وأخلص له الدينونة. فأما أنتم فامضوا في الطريق التي تريدون ؛ واعبدوا ما شئتم من دونه. ولكن هنالك الخسران الذي ما بعده خسران. خسران النفس التي تنتهي إلى جهنم. وخسران الأهل سواء كانوا مؤمنين أم كافرين. فإن كانوا مؤمنين فقد خسرهم المشركون لأن هؤلاء إلى طريق وهؤلاء إلى طريق. وإن كانوا مشركين مثلهم فكلهم خسر نفسه بالجحيم .. (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) ..