من قريش ، فقال : السلام عليكم. أأدخل؟ قالت : ادخل بسلام. فأعاد. فأعادت. وهو يراوح بين قدميه. قال : قولي : ادخل. قالت : ادخل. فدخل!
وروى عطاء بن رباح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ، قال : قلت أأستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد؟ قال : نعم. فرددت عليه ليرخص لي فأبى ، فقال : تحب أن تراها عريانة؟ قلت : لا. قال : فاستأذن. قال : فراجعته أيضا. فقال : أتحب أن تطيع الله؟ قال : قلت : نعم. قال : فاستأذن.
وجاء في الصحيح عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا .. وفي رواية : ليلا يتخونهم.
وفي حديث آخر أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قدم المدينة نهارا ، فأناخ بظاهرها وقال : «انتظروا حتى ندخل عشاء ـ يعني آخر النهار ـ حتى تمتشط الشعثة ، وتستحد (١) المغيبة».
إلى هذا الحد من اللطف والدقة بلغ حس رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وصحابته ، بما علمهم الله من ذلك الأدب الرفيع الوضيء ، المشرق بنور الله.
ونحن اليوم مسلمون ، ولكن حساسيتنا بمثل هذه الدقائق قد تبلدت وغلظت. وإن الرجل ليهجم على أخيه في بيته ، في أية لحظة من لحظات الليل والنهار ، يطرقه ويطرقه ويطرقه فلا ينصرف أبدا حتى يزعج أهل البيت فيفتحوا له. وقد يكون في البيت هاتف «تليفون» يملك أن يستأذن عن طريقه ، قبل أن يجيء ، ليؤذن له أو يعلم أن الموعد لا يناسب ؛ ولكنه يهمل هذا الطريق ليهجم في غير أوان ، وعلى غير موعد. ثم لا يقبل العرف أن يرد عن البيت ـ وقد جاء ـ مهما كره أهل البيت تلك المفاجأة بلا إخطار ولا انتظار! ونحن اليوم مسلمون ، ولكننا نطرق إخواننا في أية لحظة في موعد الطعام. فإن لم يقدم لنا الطعام وجدنا في أنفسنا من ذلك شيئا! ونطرقهم في الليل المتأخر ، فإن لم يدعونا إلى المبيت عندهم وجدنا في أنفسنا من ذلك شيئا! دون أن نقدر أعذارهم في هذا وذاك!
ذلك أننا لا نتأدب بأدب الإسلام ؛ ولا نجعل هوانا تبعا لما جاء به رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إنما نحن عبيد لعرف خاطئ ، ما أنزل الله به من سلطان!
ونرى غيرنا ممن لم يعتنقوا الإسلام ، يحافظون على تقاليد في سلوكهم تشبه ما جاء به ديننا ليكون أدبا لنا في النفس ، وتقليدا من تقاليدنا في السلوك. فيعجبنا ما نراهم عليه أحيانا ؛ ونتندر به أحيانا. ولا نحاول أن نعرف ديننا الأصيل ، فنفيء إليه مطمئنين.
* * *
وبعد الانتهاء من أدب الاستئذان على البيوت ـ وهو إجراء وقائي في طريق تطهير المشاعر واتقاء أسباب الفتنة العابرة ـ يأخذ على الفتنة الطريق كي لا تنطلق من عقالها ، بدافع النظر لمواضع الفتنة المثيرة ، وبدافع الحركة المعبرة ، الداعية إلى الغواية :
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ : يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ، وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ، ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ. إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ).
__________________
(١) تتطيب من الشعر الداخلي.