أو مكشوفة العورة ، هي أو الرجل. وكان ذلك يؤذي ويجرح ، ويحرم البيوت أمنها وسكينتها ؛ كما يعرض النفوس من هنا ومن هناك للفتنة ، حين تقع العين على ما يثير.
من أجل هذا وذلك أدب الله المسلمين بهذا الأدب العالي. أدب الاستئذان على البيوت. والسلام على أهلها لإيناسهم ، وإزالة الوحشة من نفوسهم ، قبل الدخول :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) ..
ويعبر عن الاستئذان بالاستئناس ـ وهو تعبير يوحي بلطف الاستئذان ، ولطف الطريقة التي يجيء بها الطارق ، فتحدث في نفوس أهل البيت أنسابه ، واستعدادا لاستقباله. وهي لفتة دقيقة لطيفة ، لرعاية أحوال النفوس ، ولتقدير ظروف الناس في بيوتهم ، وما يلابسها من ضرورات لا يجوز أن يشقى بها أهلها ويحرجوا أمام الطارقين في ليل أو نهار.
وبعد الاستئذان إما أن يكون في البيوت أحد من أهلها أو لا يكون. فإن لم يكن فيها أحد فلا يجوز اقتحامها بعد الاستئذان ، لأنه لا دخول بغير إذن :
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) ..
وإن كان فيها أحد من أهلها فإن مجرد الاستئذان لا يبيح الدخول ؛ فإنما هو طلب للإذن. فإن لم يأذن أهل البيت فلا دخول كذلك. ويجب الانصراف دون تلكؤ ولا انتظار :
(وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ : ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ) ..
ارجعوا دون أن تجدوا في أنفسكم غضاضة. ودون أن تستشعروا من أهل البيت الإساءة إليكم ، أو النفرة منكم. فللناس أسرارهم وأعذارهم. ويجب أن يترك لهم وحدهم تقدير ظروفهم وملابساتهم في كل حين.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) .. فهو المطلع على خفايا القلوب ؛ وعلى ما فيها من دوافع ومثيرات.
فأما البيوت العامة كالفنادق والمثاوى والبيوت المعدة للضيافة منفصلة عن السكن ، فلا حرج في الدخول إليها بغير استئذان ، دفعا للمشقة ما دامت علة الاستئذان منتفية :
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) ..
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) .. فالأمر معلق باطلاع الله على ظاهركم وخافيكم ؛ ورقابته لكم في سركم وعلانيتكم. وفي هذه الرقابة ضمان لطاعة القلوب ، وامتثالها لذلك الأدب العالي ، الذي يأخذها الله به في كتابه ، الذي يرسم للبشرية نهجها الكامل في كل اتجاه.
إن القرآن منهاج حياة. فهو يحتفل بهذه الجزئية من الحياة الاجتماعية ، ويمنحها هذه العناية ، لأنه يعالج الحياة كليا وجزئيا ، لينسق بين أجزائها وبين فكرتها الكلية العليا بهذا العلاج. فالاستئذان على البيوت يحقق للبيوت حرمتها التي تجعل منها مثابة وسكنا. ويوفر على أهلها الحرج من المفاجأة ، والضيق بالمباغتة ، والتأذي بانكشاف العورات .. وهي عورات كثيرة ، تعني غير ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر هذه اللفظة .. إنها ليست عورات البدن وحدها. إنما تضاف إليها عورات الطعام ، وعورات اللباس ، وعورات الأثاث ، التي قد لا يحب أهلها أن يفاجئهم عليها الناس دون تهيؤ وتجمل وإعداد. وهي عورات المشاعر والحالات النفسية ،