مشاهد الحياة التي تصور فكرة أو معنى ، على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير.
أما المحور الموضوعي للسورة الذي ترتبط به موضوعاتها ، ويدور حوله سياقها ، فهو تصحيح العقيدة وتصحيح منهج النظر والفكر. وتصحيح القيم بميزان هذه العقيدة.
فأما تصحيح العقيدة فيقرره بدؤها وختامها.
في البدء : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. قَيِّماً. لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ؛ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا : اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً. ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ. كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً).
وفي الختام : (قُلْ : إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ، فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).
وهكذا يتساوق البدء والختام في إعلان الوحدانية وإنكار الشرك ، وإثبات الوحي ، والتمييز المطلق بين الذات الإلهية وذوات الحوادث.
ويلمس سياق السورة هذا الموضوع مرات كثيرة في صور شتى :
في قصة أصحاب الكهف يقول الفتية الذين آمنوا بربهم : (رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً ، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً).
وفي التعقيب عليها : (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) ..
وفي قصة الجنتين يقول الرجل المؤمن لصاحبه وهو يحاوره : (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ، لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً).
وفي التعقيب عليها : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً ، هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ، هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً).
وفي مشهد من مشاهد القيامة : (وَيَوْمَ يَقُولُ : نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ، فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ، وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً).
وفي التعقيب على مشهد آخر : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ؟ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً)
* * *
أما تصحيح منهج الفكر والنظر فيتجلى في استنكار دعاوى المشركين الذين يقولون ما ليس لهم به علم ، والذين لا يأتون على ما يقولون ببرهان. وفي توجيه الإنسان إلى أن يحكم بما يعلم ولا يتعداه ، وما لا علم له به فليدع أمره إلى الله.
ففي مطلع السورة : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا : اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ، ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ)
والفتية أصحاب الكهف يقولون : (هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً. لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ!) وعند ما يتساءلون عن فترة لبثهم في الكهف يكلون علمها لله : (قالُوا : رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ).
وفي ثنايا القصة إنكار على من يتحدثون عن عددهم رجما بالغيب : (سَيَقُولُونَ : ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ؛ وَيَقُولُونَ : خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ـ رَجْماً بِالْغَيْبِ ـ وَيَقُولُونَ : سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ. قُلْ : رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ