هذه وآيات عديدة أُخر تصف (الدنيا وما فيها) بمثابة متعة ليس إلاّ ، فهي زائلة ، وليس من ركن إليها بممدوح ، إنّها الدنيا التي ذمّتها الآيات وزهّدنا فيها أمير المؤمنين عليهالسلام ، لكن ليس الزهد ـ كما فهمه البعض ـ أن لا تملك فيها شيئاً ، وليس من الزهد أن تلبس المسوح وتنأى عن المجتمع وتترك العيال كلاًّ على غيرك ، بل يكفيك من الدنيا ما تصون به ماء وجهك وعرضك.
قال تعالى : (وَابْتَغِ فِيَما آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الأَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)(١).
وبمثل ذلك جاءت نصائح أمير المؤمنين عليهالسلام ، إذ هو الذي وبّخ عاصم بن زياد الحارثي حين سمع عنه أنّه لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا فدعاه عليهالسلام فلمّا رأى ما هو عليه قال :
«يا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث ـ أي الشيطان ـ أما رحمت أهلك وولدك؟ أترى الله أحلّ لك الطيّبات وهو يكره أن تنالها؟ أنت أهون على الله من ذلك.
قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك ، وجشوبة مأكلك؟
قال : ويحك إنّ الله فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره»(٢).
رُوي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : «إنّ الناس في الدنيا ضيف وما في أيديهم عارية وأنّ الضيف راحل ، وأنّ العارية مردودة ، ألا وإنّ الدنيا عرض
__________________
(١) سورة القصص ٢٨ : ٧٧.
(٢) انظر : نهج البلاغة ٢ / ٢١٣.