يخلو إمّا أن يكون كلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً ، أو بعضه ، والأوّل باطل لأنّنا نعلم بالتواتر صحّة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، وقد نقل المحدّثون كلّهم أو جلّهم ، والمؤرّخون كثيراً منه ـ أي من النهج ـ وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك.
والثاني يدلّ على ما قلناه لأنّ من قد أنس بالكلام والخطابة وشدا طرفاً من علم البيان ، وصار له ذوق في هذا الباب لابدّ أن يفرّق بين الكلام الركيك والفصيح ، وبين الفصيح والأفصح ، وبين الأصل والمولّد ، إذا وقف على كرّاس واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء ، أو لإثنين منهم فقط ، فلا بدّ أن يفرق بين الكلامين ويميّز بين الطريقتين.
«وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته كلّه ماءً واحداً ، ونفساً واحداً ، وأسلوباً واحداً ، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية ، وكالقرآن العزيز ، أوّله كوسطه وأوسطه كآخره ، وكلّ سورة منه وكلّ آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفنّ والطريق والنظم لباقي الآيات والسور ، ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحيحاً لم يكن ذلك كذلك ، فقد ظهر لك بالبرهان الواضح خلال من زعم أنّ هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليهالسلام»(١).
إذن يمكن تقسيم الصحابة إلى ثلاثة أصناف :
الصنف الأوّل : من أبلى بلاءً حسناً وجاهد في سبيل الله ورحل إلى ربِّه بأحسن وفادة وهو راض مرضي وهذا الصنف قد مدحه القرآن الكريم وهم (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١٠ / ١٢٨.