المقدّسة والتي لا تزال كلّ منها من حواضر العلم الكبرى. ويمكن القول : إنّ مدينة الحلّة الفيحاء مدينة العلم والعلماء كانت من نتائج التلاقح العلمي والتقارب الجغرافي مع مدينة النجف الأشرف ومثالاً نموذجياً لهذا التلاقح.
يقول الشيخ يوسف كركوش في تاريخ الحلّة(١) :
«قد يسأل سائل : إنّ العلم دخل الحلّة من أي مدينة؟ وما علاقة تلك المدينة بالحلّة؟
أقول [أي قول الشيخ يوسف كركوش] : لمّا كان أُمراء هذه المدينة على ما أسلفت في الأمر الأوّل أمَّها الناس من كلّ حدب وصوب ، ولكن كانت النجف أكثر علاقة بها من غيرها ، وكان فيها يومئذ تلامذة الشيخ الطوسي الذي غادر بغداد سنة (٤٤٨ هـ) ـ بعد أن أحرق (طغرل بك) السلجوقي مكتبته وكرسي تدريسه ـ واستوطن النجف وبقي فيها يدرّس إلى أن توفّي سنة (٤٦٠ هـ) فقام تلامذته مقامه ، فلمّا مصَّر الأمير سيف الدولة الحلّة واتخذها مركزاً لأعماله قويت الرابطة بين البلدتين وامتدّت أعناق النجفيّين إليه وعلّقوا عليه الآمال ليحيوا ما اندثر من نفوذهم وما كان لهم في عهد آل بويه من الحرّية التامّة في التعبير عن آرائهم».
وتأييداً لما ذكره الشيخ يوسف كركوش وبعض المؤرّخين من قوّة الروابط العلمية بين مدينتي الحلّة والنجف يمكننا أن نستنتج أنّ تلك الروابط كانت بلا شكّ تمثّل الصورة الأبهى للتلاقح العلمي بين المدينتين والذي ظهر في بادئ أمره بعد انتقال الشيخ الطوسي قدسسره من بغداد إلى النجف الأشرف وانشغاله بالبحث والتدريس وانحدار طلبة العلم إليه من كلّ
__________________
(١) تاريخ الحلّة ٢/٤.