مبدأ الاجتهاد والسعي إليه من خلال مناقشة فتاوى الشيخ الطوسي وتعريضها للجرح والتعديل وتمزيق الهالة القدسية المحيطة بها ، وقد ذكر السيّد علي بن طاووس قدسسره في كتابه البهجة لثمرة المهجة كما حكاها صاحب روضات الجنّات(١) عند ذكره للشيخ سديد الدين محمود الحمصي قائلاً : «أخبرني جدَّي الصالح ورّام بن أبي فراس قدّس الله روحه أنّ الحمصي حدّثه أنّه لم يبق للإماميّة مُفت على التحقيق ، بل كلّهم حاك».
لذا فقد وجد العلماء وطلاّب المعرفة إضافة إلى الظروف البيئية الجيّدة والرعاية الكبيرة من قبل الأُمراء أنّ لهذه المدينة الطيّبة مرتبة علمية متميّزة تمثّلت بعلمائها وفقهائها الكبار والذين يمكن الاستفادة من علومهم ومعارفهم لنصرة الدين والمذهب. وإن كنّا ذكرنا آنفاً خمول الحركة العلمية في النجف الأقدس إلاّ أنّ هذا لا يعني بأي حال من الأحوال ضمورها أو اندثارها في تلك الفترة بل كانت مستمرّة ومتواصلة مع المدارس العلمية وحوزاتها في البلدان الأخرى ، ولكن ظهور علماء الطائفة الكبار ومراجعها البارزين في الحلّة آنذاك كان سبباً في تقدّم مدرسة الحلّة على مدرسة النجف الأشرف ، ورغم هذا التقدّم فقد بقيت الحركة العلمية في النجف الأشرف مستمرّة ومتواصلة تشير بوضوح إلى أنّها الأساس المتين لهذا البنيان العلمي الشامخ الذي مثّل الفكر الإسلامي بشكل عام والإمامي الجعفري بشكل خاص ، وما باقي المدارس والحوزات العلمية التي نشأت بعدها في مختلف البلدان والمدن إلاّ امتداداً لإشراقات المدارس العلمية في النجف الأشرف ، تلك المدارس التي كانت وما زالت إلى يومنا الحاضر
__________________
(١) روضات الجنات ٧/١٦١.