وهتاف فطرتهم وأنفسهم بربها الحق عند مواجهة الخطر الذي لا دافع له إلا الله .. وهذه هي القضية الكبرى التي تستغرق قطاعات شتى من السورة ؛ والتي تتفرع عنها سائر محتوياتها الأخرى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ، ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ. ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ، أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ، وَعْدَ اللهِ حَقًّا ، إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ. هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ، وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ، ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ، يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) .. (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ ، وَيَقُولُونَ : هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ. قُلْ : أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ؟ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) .. (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ ، وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ : لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .. (قُلْ : مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ؟ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ؟ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ؟ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ؟ فَسَيَقُولُونَ : اللهُ. فَقُلْ : أَفَلا تَتَّقُونَ؟ فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ، فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ! فَأَنَّى تُصْرَفُونَ؟) .. (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ؟ قُلِ : اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟ قُلْ : هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ؟ قُلِ : اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ. أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى؟ فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ، إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) .. (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ، وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) .. (قالُوا : اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ـ سُبْحانَهُ ـ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا؟ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟ قُلْ : إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ. مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ، ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ) (الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) .. (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
وتصور لهم حضور الله ـ سبحانه ـ وشهوده لكل ما يهم به البشر ، وكل ما يزاولون من نية وعمل ؛ مما يملأ الحس البشري بالرهبة والروعة ، كما يملؤه بالحذر واليقظة .. وذلك في مثل قوله تعالى في هذه السورة : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ. وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ. وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ، وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ ، إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
كذلك تملأ نفوسهم بالتوجس والتوقع لبأس الله في كل لحظة ، ليخرجوا من الغفلة التي ينشئها الرخاء والنعمة ؛ ولا ينخدعوا بازدهار الحياة حولهم فيأمنوا بأس الله الذي يأتي بغتة : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ ، مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ. حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ ، وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها ، أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً ، فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ).