وسرعة وقوة في النبض ، ولألاء شديد في التصوير والحركة .. بينما تمضي سورة يونس ، في إيقاع رخي ، ونبض هادئ ، وسلاسة وديعة! .. فأما هود فهي شديدة الشبه بالأعراف موضوعا وعرضا وإيقاعا ونبضا .. ثم تبقى لكل سورة شخصيتها الخاصة ، وملامحها المميزة ، بعد كل هذا التشابه والاختلاف!
* * *
والموضوع الرئيسي في سورة يونس هو ذات الموضوع العام للقرآن المكي الذي سبق بيانه في الفقرة السابقة .. والسورة تتناول محتوياته وفق طريقتها الخاصة ، التي تحدد شخصيتها وملامحها .. ونحن لا نملك ـ في هذا التقديم ـ إلا تلخيص هذه المحتويات واحدا واحدا في إجمال ، حتى يجيء بيانها المفصل في أثناء استعراض النصوص القرآنية :
إنها تواجه ابتداء موقف المشركين في مكة من حقيقة الوحي إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومن هذا القرآن ذاته بالتبعية ؛ فتقرر لهم أن الوحي لا عجب فيه ، وأن هذا القرآن ما كان ليفترى من دون الله : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) .. (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ، قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا : ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ. قُلْ : ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ ، إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلْ : لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ ، فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ ، أَفَلا تَعْقِلُونَ؟ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ؟ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) .. (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ ، وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ؟ قُلْ : فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ..
وتواجه طلبهم خارقة مادية ـ غير القرآن ـ واستعجالهم بالوعيد الذي يسمعونه. فتقرر لهم أن آية هذا الدين هي هذا القرآن ؛ وهو يحمل برهانه في تفرده المعجز الذي تتحداهم به. وأن الآيات في يد الله ومشيئته ؛ وأن موعدهم بالجزاء يتعلق بأجل يقدره الله ، والنبي لا يملك شيئا فهو عبد من عباد الله. ـ وفي هذا جانب من التعريف لهم بربهم الحق وحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية ـ : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ، وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ، كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ ، لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) .. (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ، فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. وَيَقُولُونَ : مَتى هذَا الْوَعْدُ ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟ قُلْ : لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ ، لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ. قُلْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً؟ ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ؟ أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ؟ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ؟!) .. (وَيَقُولُونَ : لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ! فَقُلْ : إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ ، فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ).
وتواجه اضطراب تصورهم لحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية ـ الأمر الذي يحدثهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيه ، فيكذبون بالوحي أو يتشككون فيه ؛ ويطلبون قرآنا غيره ، أو يطلبون خارقة مادية تثبت لهم صحته ـ بينما هم سادرون في عبادة ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الشركاء ، على اعتقاد أنهم شفعاؤهم عند الله ؛ كما يزعمون لله الولد سبحانه بلا علم ولا بينة .. فتقرر لهم صفات الإله الحق وآثار قدرته في الوجود من حولهم ، وفي وجودهم هم أنفسهم ، وفيما يتقلب بهم من ظواهر الكون ، وما يتقلب بهم هم من أحوال