أن عزرا أعاد بوحي الروح القدس تأليف الأسفار المقدسة التي أبادتها النار ، وعضده فيها كتبة خمسة معاصرون ، ولذلك ترى «ثرثوليانوس» والقديس «إيريناوس» والقديس «إيرونيموس» والقديس «يوحنا الذهبي» والقديس «باسيليوس» وغيرهم يدعون عزرا : مرمم الأسفار المقدسة المعروفة عند اليهود .. ا ه ..
إلى أن قال :
... «نكتفي بهذا البيان هنا ولنا فيه غرضان : (أحدهما) : أن جميع أهل الكتاب مدينون لعزير هذا في مستند دينهم وأصل كتبهم المقدسة عندهم. (وثانيهما) : أن هذا المستند واهي النسيان متداعي الأركان ، وهذا هو الذي حققه علماء أوربة الأحرار (١). فقد جاء في ترجمته من دائرة المعارف البريطانية بعد ذكر ما في سفره وسفر نحميا من كتابته للشريعة : أنه جاء في روايات أخرى متأخرة عنها أنه لم يعد إليهم الشريعة التي أحرقت فقط ، بل أعاد جميع الأسفار العبرية التي كانت قد أتلفت ، وأعاد سبعين سفرا غير قانونية (أبو كريف) ثم قال كاتب الترجمة فيها : وإذا كانت الأسطورة الخاصة بعزرا هذا قد كتبها من كتبها من المؤرخين بأقلامهم من تلقاء أنفسهم ، ولم يستندوا في شيء منها إلى كتاب آخر ، فكتاب هذا العصر يرون أن أسطورة عزرا قد اختلقها أولئك الرواة اختلاقا .. (انظر ص ١٤ ج ٩ من الطبعة الرابعة عشرة سنة ١٩٢٩).
«وجملة القول : أن اليهود كانوا وما يزالون يقدسون عزيرا هذا حتى إن بعضهم أطلق عليه لقب «ابن الله». ولا ندري أكان إطلاقه عليه بمعنى التكريم الذي أطلق على إسرائيل وداود وغيرهما ، أم بالمعنى الذي سيأتي قريبا عن فيلسوفهم (فيلو) وهو قريب من فلسفة وثنيي الهند التي هي أصل عقيدة النصارى (٢). وقد اتفق المفسرون على أن إسناد هذا القول إليهم يراد به بعضهم لا كلهم ..
... «وأما الذين قالوا هذا القول من اليهود فهم بعض يهود المدينة ، كالذين قال الله فيهم : «وقالت اليهود : يد الله مغلولة ، غلت أيديهم»! .. الآية .. والذين قال فيهم : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا : إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) ردا على قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً). ويحتمل أن يكون قد سبقهم إليه غيرهم ولم ينقل إلينا ..
«روى ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، وابن مردويه عن ابن عباس (رضي) قال : أتى رسول الله (ص) سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وأبو أنس وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزير ابن الله؟! ... إلخ.
__________________
(١) يجب أن ننبه نحن في الظلال إلى دلالة مثل هذه العبارات (الأحرار) في مدرسة الشيخ محمد عبده وتلاميذها ، فقد كانت هذه المدرسة بجملتها متأثرة بمناهج تفكير وبأفكار غربية غريبة على منهج التفكير الإسلامي الخالص ، وكان هذا التأثر يجعلها تنظر إلى كتاب أوربا المناهضين للكنيسة بوصفهم أحرارا. وكذلك الكتاب الذين يكتبون عن الديمقراطية والحرية الغربية ، وكذلك إلى الأوضاع الأوربية نظرة استحسان. وكانت تدعو إلى الأخذ بما تسميه (الصالح من هذه الأفكار والأوضاع) بناء على ذلك التأثر .. وهذا مزلق خطر ، كان يعطف عليه لورد كرومر وأمثاله من الصليبيين! والأمر في حاجة إلى نظرة أعمق وأوسع وإلى استقلال واستغناء بالمنهج الإسلامي.
(٢) ونحن نرى أنه لا مجال لهذا التردد ، فإن النص القرآني يلهم أن قول اليهود : «عزير ابن الله» هو كقول النصارى : «المسيح ابن الله» كلاهما مقصود به ما يضاهي قول الذين كفروا من قبل! فهو من إسناد البنوة التي تخرج قائلها من دين الحق وتلحقه بالكافرين والمشركين.