المقيدة المرحلية! وذلك كله كي يصلوا إلى أن الجهاد في الإسلام هو مجرد
عملية دفاع عن أشخاص المسلمين ، وعن دار الإسلام عند ما تهاجم! وأن الإسلام يتهالك
على أي عرض للمسالمة. والمسالمة معناها مجرد الكف عن مهاجمة دار الإسلام! إن
الإسلام ـ في حسهم ـ يتقوقع ، أو يجب أن يتوقع داخل حدوده ـ في كل وقت ـ وليس له
الحق أن يطالب الآخرين باعتناقه ، ولا بالخضوع لمنهج الله ، اللهم إلا بكلمة أو
نشرة أو بيان! أما القوة المادية ـ الممثلة في سلطان الجاهلية على الناس ـ فليس
للإسلام أن يهاجمها إلا أن تهاجمه ، فيتحرك حينئذ للدفاع!
ولو أراد هؤلاء
المهزومون روحيا وعقليا أمام ضغط الواقع الحاضر ، أن يلتمسوا في أحكام دينهم ما
يواجه هذا الواقع ـ دون ليّ لأعناق النصوص ـ لوجدوا فيه هذه الواقعية الحركية في
أحكامه وتصرفاته المرحلية التي كان يواجه بها ضغط الواقع المشابه لما نواجهه نحن
اليوم ؛ ولاستطاعوا أن يقولوا : إنه في مثل هذه الحال كان الإسلام يتصرف على هذا
النحو ، ولكن هذه ليست هي القواعد الدائمة ؛ إنما هي الأحكام والتصرفات التي تواجه
الضرورة.
وهذه أمثلة
ونماذج من الأحكام والتصرفات المرحلية في أوقات الضرورات :
* لقد عقد رسول
الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أول مقدمه المدينة مع اليهود حول المدينة والمشركين عهدا على المسالمة
والموادعة والدفاع المشترك عن المدينة. مع التسليم بأن السلطة العليا في المدينة
هي سلطة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والتعهد منهم بالدفاع عن المدينة معه ضد قريش ، والكف عن مناصرة أي مهاجم
للمدينة ، أو عقد أي حلف مع المشركين المحاربين دون إذن من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وفي الوقت ذاته أمره الله أن يقبل السلم ممن يجنحون إلى السلم ، وإن
كانوا لا يعقدون معه عهدا ، وأن يوادعهم ما وادعوه ... ثم تغير هذا كله فيما بعد
كما ذكرنا.
* ولما كانت
غزوة الخندق ؛ وتجمع المشركون على المدينة ؛ ونقضت بنو قريظة العهد ؛ وخاف رسول
الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على المسلمين ؛ عرض على عيينة بن حصن الفزاري ، والحارث بن عوف المري رئيس
غطفان الصلح على ثلث ثمار المدينة ، وأن ينصرفا بقومهما ويدعا قريشا وحدها. وكانت
هذه المقالة من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لهما مراوضة ولم تكن عقدا. فلما رأى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ منهما أنهما قد رضيا ، استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فقالا : يا رسول
الله ، هذا أمر تحبه فنصنعه لك؟ أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع؟ أو أمر تصنعه
لنا؟ فقال : «بل أمر أصنعه لكم ، فإن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة» فقال له سعد بن
معاذ : يا رسول الله ، والله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان ،
ولا نعبد الله ولا نعرفه ، وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة ، إلا شراء أو قرّى.
فحين أكرمنا الله بالإسلام ، وهدانا له ، وأعزنا بك ، نعطيهم أموالنا! والله لا
نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فسر بذلك رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقال : «أنتم وذاك» وقال لعيينة والحارث : «انصرفا ، فليس لكما عندنا إلا
السيف» .. فهذا الذي فكر فيه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إجراء لمواجهة الضرورة .. وليس حكما نهائيا ..
* وعقد رسول
الله مع مشركي قريش صلح الحديبية ـ وهم على شركهم ـ بشروط لم يسترح إليها المسلمون
، وذلك على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين ، وأن يأمن الناس بعضهم من بعض ، وأن
يرجع عنهم عامه ذلك ، حتى إذا كان العام المقبل قدمها وخلوا بينه وبين مكة فأقام
بها ثلاثا ، وألا يدخلها إلا بسلاح الراكب