لتحريف الكلم عن مواضعه. واتباع الهوى به .. هواهم وهوى المتسلطين الذين يملكون لهم ـ في وهمهم ـ عرض الحياة الدنيا.
وكم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة دين الله ثم يزيغ عنها. ويعلن غيرها. ويستخدم علمه في التحريفات المقصودة ، والفتاوى المطلوبة لسلطان الأرض الزائل! يحاول أن يثبت بها هذا السلطان المعتدي على سلطان الله وحرماته في الأرض جميعا!
لقد رأينا من هؤلاء من يعلم ويقول : إن التشريع حق من حقوق الله ـ سبحانه ـ من ادعاه فقد ادعى الألوهية. ومن ادعى الألوهية فقد كفر. ومن أقر له بهذا الحق وتابعه عليه فقد كفر أيضا! .. ومع ذلك .. مع علمه بهذه الحقيقة ، التي يعلمها من الدين بالضرورة ، فإنه يدعو للطواغيت الذين يدّعون حق التشريع ، ويدّعون الألوهية بادعاء هذا الحق .. ممن حكم عليهم هو بالكفر! ويسميهم «المسلمين»! ويسمي ما يزاولونه إسلاما لا إسلام بعده! .. ولقد رأينا من هؤلاء من يكتب في تحريم الربا كله عاما ؛ ثم يكتب في حله كذلك عاما آخر .. ورأينا منهم من يبارك الفجور وإشاعة الفاحشة بين الناس ، ويخلع على هذا الوحل رداء الدين وشاراته وعناوينه ..
فماذا يكون هذا إلا أن يكون مصداقا لنبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين؟ وماذا يكون هذا إلا أن يكون المسخ الذي يحكيه الله سبحانه عن صاحب النبأ : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها ، وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ. فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ!) .. ولو شاء الله لرفعه بما آتاه من العلم بآياته. ولكنه ـ سبحانه ـ لم يشأ ، لأن ذلك الذي علم الآيات أخلد إلى الأرض واتبع هواه ، ولم يتبع الآيات ..
إنه مثل لكل من آتاه الله من علم الله ؛ فلم ينتفع بهذا العلم ؛ ولم يستقم على طريق الإيمان. وانسلخ من نعمة الله. ليصبح تابعا ذليلا للشيطان. ولينتهي إلى المسخ في مرتبة الحيوان!
ثم ما هذا اللهاث الذي لا ينقطع؟
إنه ـ في حسنا كما توحيه إيقاعات النبأ وتصوير مشاهده في القرآن ـ ذلك اللهاث وراء أعراض هذه الحياة الدنيا التي من أجلها ينسلخ الذين يؤتيهم الله آياته فينسلخون منها. ذلك اللهاث القلق الذي لا يطمئن أبدا. والذي لا يتركه صاحبه سواء وعظته أم لم تعظه ؛ فهو منطلق فيه أبدا!
والحياة البشرية ما تني تطلع علينا بهذا المثل في كل مكان وفي كل زمان وفي كل بيئة .. حتى إنه لتمر فترات كثيرة ، وما تكاد العين تقع على عالم إلا وهذا مثله. فيما عدا الندرة النادرة ممن عصم الله ، ممن لا ينسلخون من آيات الله ، ولا يخلدون إلى الأرض ؛ ولا يتبعون الهوى ؛ ولا يستذلهم الشيطان ؛ ولا يلهثون وراء الحطام الذي يملكه أصحاب السلطان! .. فهو مثل لا ينقطع وروده ووجوده ؛ وما هو بمحصور في قصة وقعت ، في جيل من الزمان!
وقد أمر الله رسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يتلوه على قومه الذين كانت تتنزل عليهم آيات الله ، كي لا ينسلخوا منها وقد أوتوها. ثم ليبقى من بعده ومن بعدهم يتلى ، ليحذر الذين يعلمون من علم الله شيئا أن ينتهوا إلى هذه النهاية البائسة ؛ وأن يصيروا إلى هذا اللهاث الذي لا ينقطع أبدا ؛ وأن يظلموا أنفسهم ذلك الظلم الذي لا يظلمه عدو لعدو. فإنهم لا يظلمون إلا أنفسهم بهذه النهاية النكدة!
ولقد رأينا من هؤلاء ـ والعياذ بالله ـ في زماننا هذا من كان كأنما يحرص على ظلم نفسه ؛ أو كمن يعض