أساتذة لهم ، يتلقون عنهم في هذا الدين نفسه ، ويستشهدون بما يكتبونه عن تاريخ هذا الدين وحقائقه ، ثم يزعم هؤلاء السذج الأغرار لأنفسهم أنهم «مثقفون!» ..
ونعود إلى السياق القرآني بعد تكليف الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يعلن رسالته للناس جميعا. فنجد بقية التكليف هي تعريف الناس جميعا بربهم الحق سبحانه :
(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. يُحيِي وَيُمِيتُ) ..
إنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رسول للناس جميعا من ربهم الذي يملك هذا الوجود كله ـ وهم من هذا الوجود ـ والذي يتفرد بالألوهية وحده ، فالكل له عبيد. والذي تتجلى قدرته وألوهيته في أنه الذي يحيي ويميت ..
والذي يملك الوجود كله ، والذي له الألوهية على الخلائق وحده ، والذي يملك الحياة والموت للناس جميعا. هو الذي يستحق أن يدين الناس بدينه ، الذي يبلغه إليهم رسوله .. فهو تعريف للناس بحقيقة ربهم ، لتقوم على هذا التعريف عبوديتهم له ، وطاعتهم لرسوله :
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ ، وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ..
وهذا النداء الأخير في هذا التعقيب يتضمن لفتات دقيقة ينبغي أن نقف أمامها لحظات :
* إنه يتضمن ابتداء ذلك الأمر بالإيمان بالله ورسوله .. وهو ما تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، في صورة أخرى من صور هذا المضمون الذي لا يقوم بدونه إيمان ولا إسلام .. ذلك أن هذا الأمر بالإيمان بالله سبقه في الآية التعريف بصفاته تعالى : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، يُحيِي وَيُمِيتُ) .. فالأمر بالإيمان هو أمر بالإيمان بالله الذي هذه صفاته الحقة. كما سبقه التعريف برسالة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى الناس جميعا.
* ثم يتضمن ثانية أن النبي الأمي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يؤمن بالله وكلماته .. ومع أن هذه بديهية ، إلا أن هذه اللفتة لها مكانها ولها قيمتها. فالدعوة لا بد أن يسبقها إيمان الداعي بحقيقة ما يدعو إليه ، ووضوحه في نفسه ، ويقينه منه. لذلك يجيء وصف النبي المرسل إلى الناس جميعا بأنه (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) .. وهو نفس ما يدعو الناس إليه ونصه ..
* ثم يتضمن أخيرا لفتة إلى مقتضى هذا الإيمان الذي يدعوهم إليه. وهو اتباعه فيما يأمر به ويشرعه ، واتباعه كذلك في سنته وعمله. وهو ما يقرره قول الله سبحانه : (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) .. فليس هناك رجاء في أن يهتدي الناس بما يدعوهم إليه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلا باتباعه فيه. ولا يكفي أن يؤمنوا به في قلوبهم ما لم يتبع الإيمان الاتباع العملي .. وهو الإسلام ..
إن هذا الدين يعلن عن طبيعته وعن حقيقته في كل مناسبة .. إنه ليس مجرد عقيدة تستكن في الضمير .. كما أنه كذلك ليس مجرد شعائر تؤدى وطقوس .. إنما هو الاتباع الكامل لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيما يبلغه عن ربه ، وفيما يشرعه ويسنه .. والرسول لم يأمر الناس بالإيمان بالله ورسوله فحسب. ولم يأمرهم كذلك بالشعائر التعبدية فحسب. ولكنه أبلغهم شريعة الله في قوله وفعله. ولا رجاء في أن يهتدي الناس إلا إذا اتبعوه في هذا كله .. فهذا هو دين الله .. وليس لهذا الدين من صورة أخرى إلا هذه الصورة التي تشير إليها هذه اللفتة : (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) بعد الأمر بالإيمان بالله ورسوله .. ولو كان الأمر في هذا الدين أمر اعتقاد وكفى ، لكان في قوله : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) الكفاية!