الإسلام وأهل بقية الأديان للوقوف في وجه تيار المادية والإلحاد! أهل بقية الأديان الذين يذبحون من ينتسبون إلى الإسلام في كل مكان ؛ ويشنون عليهم حربا تتسم بكل بشاعة الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في الأندلس ـ سواء عن طريق أجهزتهم المباشرة في المستعمرات في آسيا وإفريقية أو عن طريق الأوضاع التي يقيمونها ويسندونها في البلاد (المستقلة!) لتحل محل الإسلام عقائد ومذاهب علمانية! تنكر «الغيبية» لأنها «علمية»! و «تطوّر» الأخلاق لتصبح هي أخلاق البهائم التي ينزو بعضها على بعض في «حرية!» ، و «تطوّر» كذلك الفقه الإسلامي ، وتقيم له مؤتمرات المستشرقين لتطويره. كيما يحل الربا والاختلاط الجنسي وسائر المحرمات الإسلامية!!
إنها المعركة الوحشية الضارية يخوضها أهل الكتاب مع هذا الدين ، الذي بشروا به وبنبيه منذ ذلك الأمد البعيد. ولكنهم تلقوه هذا التلقي اللئيم الخبيث العنيد!
* * *
وقبل أن يمضي السياق إلى مشهد جديد من مشاهد القصة ، يقف عند هذا البلاغ المبكر ، يوجه الخطاب إلى النبي الأمي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يأمره بإعلان الدعوة إلى الناس جميعا ، تصديقا لوعد الله القديم :
(قُلْ : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ. فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ ، وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ..
إنها الرسالة الأخيرة ، فهي الرسالة الشاملة ، التي لا تختص بقوم ولا أرض ولا جيل .. ولقد كانت الرسالات قبلها رسالات محلية قومية محدودة بفترة من الزمان ـ ما بين عهدي رسولين ـ وكانت البشرية تخطو على هدى هذه الرسالات خطوات محدودة ، تأهيلا لها للرسالة الأخيرة. وكانت كل رسالة تتضمن تعديلا وتحويرا في الشريعة يناسب تدرج البشرية. حتى إذا جاءت الرسالة الأخيرة جاءت كاملة في أصولها ، قابلة للتطبيق المتجدد في فروعها ، وجاءت للبشر جميعا ، لأنه ليست هنا لك رسالات بعدها للأقوام والأجيال في كل مكان. وجاءت وفق الفطرة الإنسانية التي يلتقي عندها الناس جميعا. ومن ثم حملها النبي الأمي الذي لم يدخل على فطرته الصافية ـ كما خرجت من يد الله ـ إلا تعليم الله. فلم تشب هذه الفطرة شائبة من تعليم الأرض ومن أفكار الناس! ليحمل رسالة الفطرة إلى فطرة الناس جميعا :
(قُلْ : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) ..
وهذه الآية التي يؤمر فيها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يواجه برسالته الناس جميعا ، هي آية مكية في سورة مكية .. وهي تجبه المزورين من أهل الكتاب ، الذين يزعمون أن محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يكن يدور في خلده وهو في مكة أن يمد بصره برسالته إلى غير أهلها ، وأنه إنما بدأ يفكر في أن يتجاوز بها قريشا ، ثم يجاوز بها العرب إلى دعوة أهل الكتاب ، ثم يجاوز بها الجزيرة العربية إلى ما وراءها ..
كل أولئك بعد أن أغراه النجاح الذي ساقته إليه الظروف! وإن هي إلا فرية من ذيول الحرب التي شنوها قديما على هذا الدين وأهله. وما يزالون ماضين فيها!
وليست البلية في أن يرصد أهل الكتاب كيدهم كله لهذا الدين وأهله. وأن يكون «المستشرقون» الذين يكتبون مثل هذا الكذب هم طليعة الهجوم على هذا الدين وأهله .. إنما البلية الكبرى أن كثيرا من السذج الأغرار ممن يسمون أنفسهم بالمسلمين يتخذون من هؤلاء المزوّرين على نبيهم ودينهم ، المحاربين لهم ولعقيدتهم ،