وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ، وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ، وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ـ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ـ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ـ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ـ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ـ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ـ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).
أما هذه التكملة :
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ...)
فتتعلق بالمحرمات لأنهن في عصمة رجال آخرين. محصنات بالزواج منهم : فهن محرمات على غير أزواجهن. لا يحل نكاحهن ... وذلك تحقيقا للقاعدة الأولى في نظام المجتمع الإسلامي ، من قيامه على قاعدة الأسرة ، وجعلها وحدة المجتمع ، وصيانة هذه الأسرة من كل شائبة ، ومن كل اختلاط في الأنساب ، ينشأ من «شيوعية» الاتصال الجنسي ، أو ينشأ من انتشار الفاحشة ، وتلوث المجتمع بها.
والأسرة القائمة على الزواج العلني ، الذي تتخصص فيه امرأة بعينها لرجل بعينه ، ويتم به الإحصان ـ وهو الحفظ والصيانة ـ هي أكمل نظام يتفق مع فطرة «الإنسان» وحاجاته الحقيقية ، الناشئة من كونه إنسانا ، لحياته غاية أكبر من غاية الحياة الحيوانية ـ وإن كانت تتضمن هذه الغاية في ثناياها ـ ويحقق أهداف المجتمع الإنساني ، كما يضمن لهذا المجتمع السلم المطمئنة : سلم الضمير. وسلم البيت. وسلم المجتمع في نهاية المطاف (١).
والملاحظ بصفة ظاهرة ، أن الطفل الإنساني يحتاج إلى فترة رعاية أطول من الفترة التي يحتاج إليها طفل أي حيوان آخر. كما أن التربية التي يحتاج إليها ليصبح قادرا على إدراك مقتضيات الحياة الإنسانية الاجتماعية المترقية ـ التي يتميز بها الإنسان ـ تمتد إلى فترة طويلة أخرى.
وإذا كانت غاية الميل الجنسي في الحيوان تنتهي عند تحقيق الاتصال الجنسي والتناسل والإكثار ، فإنها في الإنسان لا تنتهي عند تحقيق هذا الهدف ، إنما هي تمتد إلى هدف أبعد هو الارتباط الدائم بين الذكر والأنثى ـ بين الرجل والمرأة ـ ليتم إعداد الطفل الإنساني لحماية نفسه وحفظ حياته ، وجلب طعامه وضرورياته ، كما يتم ـ وهذا هو الأهم بالنسبة لمقتضيات الحياة الإنسانية ـ تربية هذا الطفل وتزويده برصيد من التجارب الإنسانية والمعرفة الإنسانية يؤهله للمساهمة في حياة المجتمع الإنساني ، والمشاركة في حمل تبعته من اطراد الترقي الإنساني عن طريق الأجيال المتتابعة.
ومن ثم لم تعد اللذة الجنسية هي المقوم الأول في حياة الجنسين في عالم الإنسان ؛ إنما هي مجرد وسيلة ركبتها الفطرة فيهما ليتم الالتقاء بينهما ويطول بعد الاتصال الجنسي للقيام بواجب المشاركة في اطراد نمو النوع. ولم يعد «الهوى» الشخصي هو الحكم في بقاء الارتباط بين الذكر والأنثى. إنما الحكم هو «الواجب» ... واجب النسل الضعيف الذي يجيء ثمرة للالتقاء بينهما ، وواجب المجتمع الإنساني الذي يحتم عليهما تربية هذا النسل إلى الحد الذي يصبح معه قادرا على النهوض بالتبعة الإنسانية ، وتحقيق غاية الوجود الإنساني.
وكل هذه الاعتبارات تجعل الارتباط بين الجنسين على قاعدة الأسرة ، هو النظام الوحيد الصحيح. كما تجعل تخصيص امرأة لرجل هو الوضع الصحيح الذي تستمر معه هذه العلاقة. والذي يجعل «الواجب» لا مجرد اللذة ولا مجرد الهوى ، هو الحكم في قيامها ، ثم في استمرارها ، ثم في معالجة كل مشكلة تقع في
__________________
(١) تراجع بتوسع فصول : «سلام الضمير» و «سلام المجتمع» من كتاب «السلام العالمي والإسلام». «دار الشروق».