وأخرج ابن أبي حاتم ـ بإسناده ـ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «ما من نفس تموت ، لا تشرك بالله شيئا ، إلا حلت لها المغفرة ، إن شاء الله عذبها ، وإن شاء غفر لها .. إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» ..
وأخرج ابن أبي حاتم ـ بإسناده ـ عن ابن عمر قال. «كنا ـ أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا نشك في قاتل النفس ، وآكل مال اليتيم ، وقاذف المحصنات ، وشاهد الزور. حتى نزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فأمسك أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن الشهادة!
وروى الطبراني ـ بإسناده ـ عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «قال الله عزوجل : من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي. ما لم يشرك بي شيئا».
وفي هذا الحديث الأخير لمحة كاشفة .. فالمهم هو شعور القلب بالله على حقيقته ـ سبحانه ـ ومن وراء هذا الشعور الخير. والرجاء. والخوف. والحياء .. فإذا وقع الذنب ، فمن ورائه هذه السمات تؤهل للتقوى وتؤهل للمغفرة.
* * *
ثم يمضي القرآن ـ وهو يخوض المعركة بالجماعة المسلمة مع اليهود في المدينة ـ يعجب من أمر هؤلاء الخلق ؛ الذين يزعمون أنهم شعب الله المختار ؛ ويثنون على أنفسهم ؛ ويزكونها ؛ بينما هم يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويتطاولون على الله ورسوله ـ كما سبق ـ وبينما هم يؤمنون بالجبت والطاغوت ـ كما سيجيء ـ كاذبين على الله في تزكيتهم لأنفسهم ، وفي زعمهم أنهم مقربون إليه مهما عملوا من السوء! :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ؟ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ! وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) ..
ودعوى اليهود أنهم شعب الله المختار هي دعواهم من قديم. وقد اختارهم الله فعلا لحمل الأمانة وأداء الرسالة ، وفضلهم على العالمين في ذلك الأوان ؛ وأهلك لهم فرعون وملأه ، وأورثهم الأرض المقدسة .. ولكنهم هم انحرفوا بعد ذلك عن منهج الله ؛ وعتوا في الأرض عتوا كبيرا ، واجترحوا السيئات التي تضج منها الأرض ، وأحل لهم أحبارهم ما حرم الله وحرموا عليهم ما أحله لهم ، واتبعوهم ؛ ولم ينكروا عليهم حق الألوهية هذا الذي ادعوه عمليا ـ بهذا التحريم والتحليل ـ وقد بدل هؤلاء الأحبار في شريعة الله ، ليرضوا ذوي السلطان والشرفاء ؛ وليملقوا كذلك رغبات الجماهير وأهواءهم. وبذلك اتخذوا أحبارهم أربابا من دون الله. وأكلوا الربا ..
ووهنت علاقتهم بدين الله وكتابه الذي أنزله عليهم .. وعل الرغم من ذلك كله ـ وغيره كثير ـ فقد ظلوا يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه. وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة. وأنه لا يهتدي ولا يقبل عند الله إلا من كان هودا! كأن المسألة مسألة قرابة ونسب ومحاباة بينهم وبين الله ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ فالله لا تصل بينه وبين أحد من خلقه قرابة ولا نسب ؛ إنما تربط عباده به العقيدة المستقيمة والعمل الصالح ، والاستقامة على منهج الله .. فمن أخل بهذا فقد غضب الله عليه. ويشتد غضبه إذا كان قد آتى الضالين الهدى فانحرفوا عنه! وما شأن هؤلاء اليهود إلا شأن من يزعمون الإسلام اليوم ، ويحسبون أنهم من أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأن الله لا بد ناصرهم ، ومخرج لهم اليهود من أرضهم .. بينما هم ينسلخون انسلاخا كاملا من دين الله الذي هو منهجه للحياة ؛ فينبذونه من حياتهم ؛ ولا يتحاكمون إلى كتاب الله لا في أقضيتهم ولا في اقتصادهم ، ولا في اجتماعهم ، ولا في آدابهم ، ولا في تقاليدهم. وكل ما لهم من الإسلام أسماء المسلمين! وأنهم ولدوا