(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ـ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ـ وَلا جُنُباً ـ إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ ـ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ...)
كما منعت الآية ـ الذين آمنوا ـ أن يقربوا الصلاة وهم سكارى ـ حتى يعلموا ما يقولون ـ كذلك منعتهم من الصلاة وهم جنب ـ إلا عابري سبيل ـ حتى يغتسلوا ..
وتختلف الأقوال في المقصود من (عابِرِي سَبِيلٍ) كما تختلف في معنى قرب الصلاة المنهي عنه ..
فقول : إن المقصود هو عدم قرب المساجد ، أو المكث فيها ، لمن كان جنبا ، حتى يغتسل. إلا أن يكون عابرا بالمسجد مجرد عبور. وقد كان جماعة من الصحابة أبواب بيوتهم تفتح في مسجد الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو طريقهم من وإلى هذه البيوت. فرخص لهم في المرور ـ وهم جنب ـ لا بالمكث في المسجد ـ ولا الصلاة بطبيعة الحال ـ إلا بعد الاغتسال.
وقول : إن المقصود هو الصلاة ذاتها. والنهي عن أدائها للجنب ـ إلا بعد الاغتسال ـ ما لم يكن مسافرا. فيحل له عندئذ أن يقصد المسجد وأن يصلي ـ بلا اغتسال ـ ولكن بالتيمم. الذي يسد مسد الغسل ـ عندئذ ـ كما يسد مسد الوضوء ..
والقول الأول يبدو أظهر وأوجه. لأن الحالة الثانية ـ حالة السفر ـ ذكرت في الآية نفسها بعد ذلك. فتفسير عابري سبيل ـ بالمسافرين ، ينشىء تكرارا للحكم في الآية الواحدة ، لا ضرورة له :
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ، أَوْ عَلى سَفَرٍ ، أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ـ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ـ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً. فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ. إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) ..
فهذا النص يشمل حالة المسافر ـ عند ما يصيبه حدث أكبر فيكون جنبا في حاجة إلى الغسل أو حدث أصغر ، فيكون في حاجة إلى الوضوء ، لأداء الصلاة.
والنص يسويه في هذه الحالة بمن كان مريضا ، فألم به حدث أكبر أو أصغر. أو بمن جاء من الغائط (والغائط مكان منخفض كانوا يقضون حاجتهم فيه ، فكنى عن الفعل بالمجيء من مكان الفعل) فأصابه حدث أصغر يقتضي الوضوء. أو بمن لامس النساء ..
وفي «لا مستم النساء» .. أقوال كذلك :
قول : إنه كناية عن الجماع .. فهو يستوجب الغسل.
وقول : إنه يعني حقيقة اللمس .. لمس أي جزء من جسم الرجل لجسم المرأة .. وهو يستوجب الوضوء في بعض المذاهب ، ولا يستوجبه في بعضها. بتفصيلات تطلب في كتب الفروع نذكر منها إجمالا :
«أ» اللمس يوجب الوضوء إطلاقا.
«ب» اللمس يوجب الوضوء إذا كان اللامس ممن تثور الشهوة في نفسه باللمس. وإذا كانت الملموسة ممن تثير الشهوة باللمس.
«ج» اللمس يوجب الوضوء إذا أحس اللامس نفسه ـ حسب تقديره في كل حالة ـ أن اللمسة أثارت في نفسه حركة.
«د» اللمس لا يوجب الوضوء إطلاقا ، ولا العناق ولا التقبيل للزوجة ..