قادرين على التمييز بين ما يمكن أن يحدث بطريق المصادفة (١) ، وما يستحيل حدوثه بهذه الطريقة ، وأن نحسب احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر في مدى معين من الزمان .. ولننظر الآن إلى الدور الذي تستطيع أن تلعبه المصادفة في نشأة الحياة :
«إن البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية. وهي تتكون من خمسة عناصر ؛ هي : الكربون ، والأدروجين ، والنيتروجين ، والأكسجين ، والكبريت .. ويبلغ عدد الذرات في الجزء الواحد ٠٠٠ ، ٤٠ ذرة. ولما كان عدد العناصر الكيموية في الطبيعة ٩٢ عنصرا ، موزعة كلها توزيعا عشوائيا (٢) ، فإن احتمال اجتماع هذه الناصر الخمسة ، لكي تكون جزيئا من جزيئات البروتين ، يمكن حسابه لمعرفة كمية المادة التي ينبغي أن تخلط خلطا مستمرا لكي تؤلف هذا الجزء ؛ ثم لمعرفة طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث هذا الاجتماع بين ذرات الجزء الواحد.
«وقد قام العالم الرياضي السويسري تشارلز يوجين جاي بحساب هذه العوامل جميعا ، فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزيء بروتيني واحد ، إلا بنسبة ١ إلى ١٠ ١٦٠ ، أي بنسبة ١ إلى رقم عشرة مضروبا في نفسه ١٦٠ مرة. وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه بكلمات .. وينبغي أن تكون كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة بحيث ينتج جزيء واحد أكثر مما يتسع له كل هذا الكون بملايين المرات .. ويتطلب تكوين هذا الجزء على سطح الأرض وحدها ـ عن طريق المصادفة ـ بلايين لا تحصى من السنوات ، قدرها العالم السويسري بأنها عشرة مضروبة في نفسها ٢٤٣ مرة من السنين (١٠ ٢٤٣ سنة).
«إن البروتينات تتكون من سلاسل طويلة من الأحماض الأمينية. فكيف تتألف ذرات هذه الجزئيات؟ إنها إذا تآلفت بطريقة أخرى ، غير التي تتآلف بها ، تصير غير صالحة للحياة. بل تصير في بعض الأحيان سموما. وقد حسب العالم الانجليزي : ج. ب. سيثرJ.B.Seather الطرق التي يمكن أن تتآلف بها الذرات في أحد الجزئيات البسيطة من البروتينات ، فوجد أن عددها يبلغ الملايين (١٠). وعلى ذلك فإنه من المحال عقلا أن تتآلف كل هذه المصادفات لكي تبني جزيئا بروتينيا واحدا.
«ولكن البروتينات ليست إلا مواد كيماوية عديمة الحياة ، ولا تدب فيها الحياة إلا عند ما يحل فيها ذلك السر العجيب ، الذي لا ندري من كنهه شيئا ، إنه العقل اللانهائي (٣). وهو الله وحده ، الذي استطاع أن يدرك (٤) ببالغ حكمته ، أن مثل هذا الجزء البروتيني يصلح لأن يكون مستقرا للحياة ، فبناه وصوره ، وأغدق عليه سر الحياة» ..
__________________
(١) نحن بتصورنا الإسلامي لا نعرف أن هناك «مصادفة» واحدة في هذا الوجود. وإنما هو قدر الله يخلق به كل شيء : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) وهناك سنن مطردة للوجود هي النواميس. وفي كل مرة تنفذ فيها السنة فإنها تنفذ بقدر ـ بدون جبرية آلية ، وكذلك يقع أن يجري قدر الله بالخارقة لتلك النواميس ـ في ظروف معينة لحكمة خاصة ـ فالقانون العام والخارقة كلاهما يمر بقدر خاص في كل مرة يجري فيها .. ونحن حين نقتطف من حديث «العلماء» فإن هذا لا يعني الموافقة على كل ما يقولونه.
(٢) وهذه ـ كذلك ـ واحدة من خبط «العلماء» فليس هنالك توزيع عشوائي .. إنما هنالك توزيع مرسوم بقدر معلوم!
(٣) هذا التعبير «العقل اللانهائي» راسب من رواسب الفلسفة. يستخدمه الرجل لأنه من رواسب ثقافته! والمسلم لا يعبر عن الله ـ سبحانه ـ إلا بما سمى به نفسه من أسمائه الحسنى ..
(٤) وهذه كذلك!!!