يقول امرؤ القيس :
وأصبحت ودعت الصبا غير أنني |
|
أراقب خلّات من العيش أربعا |
فمنهن قولي للندامى : ترفقوا |
|
يداجون نشاجا من الخمر مترعا |
ومنهن ركض الخيل ترجم بالقنا |
|
يبادرن سربا آمنا أن يفزّعا |
... إلخ ويقول طرفة بن العبد :
فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى |
|
وجدك لم أحفل متى قام عوّدي |
فمنهن سبقي العاذلات بشربة |
|
كميت متى ما تعل بالماء تزبد |
وما زال تشرابي الخمور ولذتي |
|
وبذلي وإنفاقي طريفي وتالدي |
إلى أن تحامتني العشيرة كلها |
|
وأفردت إفراد البعير المعبد |
ويقول الأعشى :
فقد أشرب الراح قد تعلمين |
|
يوم المقام ويوم الظعن |
وأشرب بالريف حتى يقال |
|
قد طال بالريف ما قد دجن |
ويقول المنخل اليشكري :
ولقد شربت من المدا |
|
مة بالصغير وبالكبير |
فإذا سكرت فإنني |
|
رب الخورنق والسدير (١) |
وإذا صحوت فإنني |
|
رب الشويهة والبعير |
وغير هذا كثير في الشعر الجاهلي ...
ورواية الحوادث التي صاحبت مراحل تحريم الخمر في المجتمع المسلم ، والرجال الذين كانوا أبطال هذه الحوادث .. وفيهم عمر ، وعلي ، وحمزة ، وعبد الرحمن بن عوف .. وأمثال هذا الطراز من الرجال .. تشي بمدى تغلغل هذه الظاهرة في الجاهلية العربية. وتكفي عن الوصف المطول المفصل :
يقول عمر رضي الله عنه في قصة إسلامه .. في رواية .. «كنت صاحب خمر في الجاهلية. فقلت لو أذهب إلى فلان الخمار فأشرب ...»
وظل عمر يشرب الخمر في الإسلام. حتى إذا نزلت آية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ. قُلْ : فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ، وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) .. قال : «اللهم بيّن لنا بيانا شافيا في الخمر» .. واستمر .. حتى إذا نزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) .. قال : اللهم بيّن لنا بيانا شافيا في الخمر! حتى إذا نزلت آية التحريم الصريحة : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) .. قال : انتهينا انتهينا! وانتهى ..
وفي سبب نزول هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ترد روايتان يشترك
__________________
(١) قصران للنعمان بن المنذر كانت تتحدث بهما العرب في الجاهلية.