فَتَيَمَّمُوا
صَعِيداً طَيِّباً ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ. إِنَّ اللهَ كانَ
عَفُوًّا غَفُوراً) ..
إنها حلقة في
سلسلة التربية الربانية للجماعة المسلمة ـ التي التقطها المنهج الإسلامي من سفح
الجاهلية ـ وكانت الخمر إحدى تقاليد المجتمع الجاهلي الأصيلة الشاملة ؛ وإحدى
الظواهر المميزة لهذا المجتمع. كما أنها تكاد تكون ظاهرة مميزة لكل جاهلية في
القديم والحديث أيضا .. الخمر كانت ظاهرة مميزة للمجتمع الروماني في أوج جاهليته ؛
وللمجتمع الفارسي أيضا. وكذلك هي اليوم ظاهرة مميزة للمجتمع الأوربي والمجتمع
الأمريكي في أوج جاهليته! والشأن أيضا كذلك في جاهلية المجتمع الإفريقي المتخلفة
من الجاهلية الأولى!
في السويد ـ وهي
أرقى أو من أرقى أمم الجاهلية الحديثة ـ كانت كل عائلة في النصف الأول من القرن
الماضي تعد الخمر الخاصة بها. وكان متوسط ما يستهلكه الفرد ، حوالي عشرين لترا.
وأحست الحكومة خطورة هذه الحال ، وما ينشره من إدمان ؛ فاتجهت إلى سياسة احتكار
الخمور ، وتحديد الاستهلاك الفردي ، ومنع شرب الخمور في المحال العامة .. ولكنها
عادت فخففت هذه القيود منذ أعوام قليلة! فأبيح شرب الخمر في المطاعم بشرط تناول
الطعام. ثم أبيحت الخمر في عدد محدود من المحال العامة ، حتى منتصف الليل فقط!
وبعد ذلك يباح شرب «النبيذ والبيرة» فحسب! وإدمان الخمر عند المراهقين يتضاعف ..!
أما في أمريكا
، فقد حاولت الحكومة الأمريكية مرة القضاء على هذه الظاهرة فسنت قانونا في سنة
١٩١٩ سمي قانون «الجفاف»! من باب التهكم عليه ، لأنه يمنع «الري» بالخمر! وقد ظل
هذا القانون قائما مدة أربعة عشر عاما ، حتى اضطرت الحكومة إلى إلغائه في سنة
١٩٣٣. وكانت قد استخدمت جميع وسائل النشر والإذاعة والسينما والمحاضرات للدعاية ضد
الخمر. ويقدرون ما أنفقته الدولة في الدعاية ضد الخمر بما يزيد على ستين مليونا من
الدولارات. وأن ما نشرته من الكتب والنشرات يشتمل على عشرة بلايين صفحة. وما
تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة أربعة عشر عاما لا يقل عن ٢٥٠ مليون
جنيه. وقد أعدم فيها ٣٠٠ نفس ؛ وسجن كذلك ٣٣٥ ، ٥٣٢ نفسا. وبلغت الغرامات ١٦ مليون
جنيه. وصادرت من الأملاك ما يبلغ ٤٠٠ مليون وأربعة بلايين جنيه .. وبعد ذلك كله
اضطرت إلى التراجع وإلغاء القانون .
فأما الإسلام
فقضى على هذه الظاهرة العميقة في المجتمع الجاهلي .. ببضع آيات من القرآن.
وهذا هو الفرق
في علاج النفس البشرية ، وفي علاج المجتمع الإنساني .. بين منهج الله ، ومناهج
الجاهلية قديما وحديثا على السواء!
ولكي ندرك
تغلغل هذه الظاهرة في المجتمع الجاهلي ، يجب أن نعود إلى الشعر الجاهلي ؛ حيث نجد «الخمر»
عنصرا أساسيا من عناصر المادة الأدبية ؛ كما أنه عنصر أساسي من عناصر الحياة كلها.
لقد بلغ من
شيوع تجارة الخمر ، أن أصبحت كلمة التجارة ، مرادفة لبيع الخمر .. يقول لبيد :
قد بت سامرها
وغاية تاجر
|
|
وافيت إذ
رفعت وعز مدامها
|
ويقول عمرو بن
قميئة :
إذ أسحب
الريط والمروط إلى
|
|
أدني تجاري
وأنفض اللمما
|
ووصف مجالس
الشراب ، والمفاخرة بها تزحم الشعر الجاهلي ، وتطبعه طابعا ظاهرا.
__________________