حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ، وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ. ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ. أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ).
وتتجلى في فطرة المكذبين أنفسهم ، حين يواجهون الهول ؛ فلا يدعون إلا الله لرفعه عنهم .. ثم هم مع ذلك يشركون ، وينسون أن الله ، الذي يدعونه لكشف الضر ، قادر على أن يذيقهم ألوان العذاب فلا يدفعه عنهم أحد : (قُلْ : مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً : لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ؟ قُلِ : اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ، ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ. قُلْ : هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ، أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).
* * *
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ. قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ. قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ .. قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ـ وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ـ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ. إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ ، وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ. قُلْ : لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) ..
تحتشد هذه الموجة بالمؤثرات الموحية ، التي تتمثل في شتى الإيقاعات التي تواجه القلب البشري بحقيقة الألوهية في شتى مجاليها .. ومن بين هذه المؤثرات العميقة ، ذلك الإيقاع المتكرر : «قل .. قل .. قل ..» خطابا لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليبلغ عن ربه ، ما يوحيه إليه ؛ وما لا يملك غيره ؛ ولا يتبع غيره ؛ ولا يستوحي غيره :
(قُلْ : إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ. قُلْ : لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ. قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً ، وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) ..
يأمر الله ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم ، أن يواجه المشركين بأنه منهي من ربه عن عبادة الذين يدعونهم من دون الله ويتخذونهم أندادا لله .. ذلك أنه منهي عن اتباع أهوائهم ـ وهم إنما يدعون الذين يدعون من دون الله عن هوى لا عن علم ، ولا عن حق ـ وأنه إن يتبع أهواءهم هذه يضل ولا يهتدي. فما تقوده أهواؤهم وما تقودهم إلا إلى الضلال.
يأمر الله ـ سبحانه ـ نبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يواجه المشركين هذه المواجهة ، وأن يفاصلهم هذه المفاصلة ؛ كما أمره من قبل في السورة بمثل هذا وهو يقول : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى؟ قُلْ : لا أَشْهَدُ. قُلْ : إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ..
ولقد كان المشركون يدعون رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يوافقهم على دينهم ، فيوافقوه على دينه! وأن يسجد لآلهتهم فيسجدوا لإلهه! كأن ذلك يمكن أن يكون! وكأن الشرك والإسلام يجتمعان في قلب! وكأن العبودية لله يمكن أن تقوم مع العبودية لسواه! وهو أمر لا يكون أبدا. فالله أغنى الشركاء عن الشرك. وهو يطلب من عباده أن يخلصوا له العبودية ؛ ولا يقبل منهم عبوديتهم له إذا شابوها بشيء من العبودية لغيره .. في قليل أو كثير ..
ومع أن المقصود في الآية أن يواجههم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بأنه منهي عن عبادة أيٍّ مما يدعون ويسمون من دون الله ، فإن التعبير ب «الذين» في قوله تعالى :
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ..