إن المنهج القرآني ـ في هذا النموذج ـ لا يزيد على أن يربط الفطرة بالوجود ، وأن يفتح النوافذ بين الوجود والفطرة ، وأن يدع هذا الوجود الهائل العجيب يوقع إيقاعاته الهائلة العميقة في الكيان الإنساني ..
إنه لا يقدم للفطرة جدلا لاهوتيا ذهنيا نظريا. ولا يقدم لها جدلا كلاميا (كعلم التوحيد) الغريب على المنهج الإسلامي. ولا يقدم لها فلسفة عقلية أو حسية ، إنما يقدم لها هذا الوجود الواقعي ـ بعالميه عالم الغيب وعالم الشهادة ـ ويدعها تتفاعل معه وتتجاوب ، وتتلقى عنه وتستجيب ، ولكن في ظل منهج ضابط لا يدعها ـ وهي تتلقى من الوجود ـ تضل في المتاهات والدروب.
ثم يختم الفقرة بالتعقيب على موقف المكذبين بهذه الآيات الكبرى :
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ. مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ ، وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ..
فيقرر حقيقة حالة المكذبين وطبيعتهم .. إنهم صم وبكم في الظلمات .. ويقرر سنة الله في الهدى والضلال .. إنها تعلق مشيئة الله بهذا أو ذاك ، وفق الفطرة التي فطر الله عليها العباد.
بذلك تلتئم جوانب التصور الإسلامي للأمر كله. إلى جانب وضوح المنهج في الدعوة ، وتقرير موقف صاحب الدعوة ، وهو يتحرك بهذه العقيدة ، ويواجه النفوس البشرية في كل حال وفي كل جيل ..
ولعل هذه اللمسات ـ إلى جانب ما تقدم في مقدمة السورة ـ عن المنهج يكون فيها ما ينير الطريق. وبالله التوفيق ..
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٥) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧)