الفوائد الربوية. وإن كان لم يصحح العقود السابقة على النص ، ما لم يكن قد تم قبض تلك الفوائد. فأما هنا فقد احترم تلك العقود ؛ على ألا ينشأ منها جديد. لما يتعلق بها ـ فوق الجانب المالي ـ من ارتباطات أخذت طابع العضوية العائلية بتشابكاتها الكثيرة المعقدة. فترك هذه العقود القائمة تنفذ ؛ وشدد في الوفاء بها ؛ وقطع الطريق على الجديد منها ؛ قبل أن تترتب عليه أية آثار تحتاج إلى علاج!
وفي هذا التصرف يبدو التيسير ، كما يبدو العمق والإحاطة والحكمة والشمول ، في علاج الأمور في المجتمع. حيث كان الإسلام يصوغ ملامح المجتمع المسلم يوما بعد يوم ؛ ويمحو ويلغي ملامح الجاهلية في كل توجيه وكل تشريع (١).
* * *
والموضوع الأخير في هذا الدرس ، هو تنظيم مؤسسة الأسرة ؛ وضبط الأمور فيها ؛ وتوزيع الاختصاصات ، وتحديد الواجبات ؛ وبيان الإجراءات التي تتخذ لضبط أمور هذه المؤسسة ؛ والمحافظة عليها من زعازع الأهواء والخلافات ؛ واتقاء عناصر التهديم فيها والتدمير ، جهد المستطاع :
«الرجال قوامون على النساء ، بما فضل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات ، حافظات للغيب بما حفظ الله. واللاتي تخافون نشوزهن ، فعظوهن ، واهجروهن في المضاجع ، واضربوهن. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. إن الله كان عليا كبيرا. وإن خفتم شقاق بينهما ، فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما. إن الله كان عليما خبيرا» ..
ولا بد ـ قبل الدخول في تفسير هذه النصوص القرآنية ، وبيان أهدافها النفسية والاجتماعية ـ من بيان مجمل لنظرة الإسلام إلى مؤسسة الأسرة ، ومنهجه في بنائها والمحافظة عليها ، وأهدافه منها .. بيان مجمل بقدر الإمكان ، إذ أن التفصيل فيه يحتاج إلى بحث مطول خاص (٢) :
إن الذي خلق هذا الإنسان جعل من فطرته «الزوجية» شأنه شأن كل شيء خلقه في هذا الوجود : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ..
ثم شاء أن يجعل الزوجين في الإنسان شطرين للنفس الواحدة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) ..
وأراد بالتقاء شطري النفس الواحدة ـ بعد ذلك ـ فيما أراد ، أن يكون هذا اللقاء سكنا للنفس ، وهدوءا للعصب ، وطمأنينة للروح ، وراحة للجسد .. ثم سترا وإحصانا وصيانة .. ثم مزرعة للنسل وامتداد الحياة ، مع ترقيها المستمر ، في رعاية المحضن الساكن الهادئ المطمئن المستور المصون :
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) ..
(هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) ..
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ، وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ، وَاتَّقُوا اللهَ) ..
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) ..
__________________
(١) في رواية عن ابن عباس في تفسير هذا النص ، أنه منع الوراثة إلا للقرابة ، واستبقي للذين عقدت أيمانهم النصرة والرفادة والنصيحة.
(٢) يراجع كتاب الحجاب وكتاب تفسير سورة النور للأستاذ أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان.