يجوز أن تكون هناك معركة في المجتمعات الجاهلية ؛ التي تنشئ أنظمتها من تلقاء نفسها ؛ وفق هواها ومصالحها الظاهرة القريبة. أو مصالح طبقات غالبة فيها ، أو بيوت ، أو أفراد .. ومن ثم تنتقص من حقوق المرأة لأسباب من الجهالة بالإنسان كله ، وبوظيفة الجنسين في الحياة ، أو لأسباب من المصالح الاقتصادية في حرمان المرأة العاملة من مثل أجر الرجل العامل في نفس مهنتها. أو في توزيع الميراث ، أو حقوق التصرف في المال ـ كما هو الحال في المجتمعات الجاهلية الحديثة!
فأما في المنهج الإسلامي فلا .. لا ظل للمعركة. ولا معنى للتنافس على أعراض الدنيا. ولا طعم للحملة على المرأة أو الحملة على الرجل ؛ ومحاولة النيل من أحدهما ، وثلبه ، وتتبع نقائصه! .. ولا مكان كذلك للظن بأن هذا التنوع في التكوين والخصائص ، لا مقابل له من التنوع في التكليف والوظائف. ولا آثار له في التنوع في الاختصاصات والمراكز .. فكل ذلك عبث من ناحية وسوء فهم للمنهج الإسلامي ولحقيقة وظيفة الجنسين من ناحية!
وننظر في أمر الجهاد والاستشهاد ونصيب المرأة منه ومن ثوابه .. وهو ما كان يشغل بال الصالحات من النساء في الجيل الصالح ، الذي يتجه بكليته إلى الآخرة ؛ وهو يقوم بشئون هذه الدنيا .. وفي أمر الإرث ونصيب الذكر والأنثى منه. وقد كان يشغل بعض الرجال والنساء قديما .. وما يزال هو وأمثاله يشغل رجالا ونساء في هذه الأيام ..
إن الله لم يكتب على المرأة الجهاد ولم يحرمه عليها ؛ ولم يمنعها منه ـ حين تكون هناك حاجة إليها ، لا يسدها الرجال ـ وقد شهدت المغازي الإسلامية آحادا من النساء ـ مقاتلات لا مواسيات ولا حاملات أزواد ـ وكان ذلك على قلة وندرة بحسب الحاجة والضرورة ؛ ولم يكن هو القاعدة .. وعلى أية حال ، فإن الله لم يكتب على المرأة الجهاد كما كتبه على الرجال.
إن الجهاد لم يكتب على المرأة ، لأنها تلد الرجال الذين يجاهدون. وهي مهيأة لميلاد الرجال بكل تكوينها ، العضوي والنفسي ؛ ومهيأة لإعدادهم للجهاد وللحياة سواء. وهي ـ في هذا الحقل ـ أقدر وأنفع .. هي أقدر لأن كل خلية في تكوينها معدة من الناحية العضوية والناحية النفسية لهذا العمل ؛ وليست المسألة في هذا مسألة التكوين العضوي الظاهر ؛ بل هي ـ وعلى وجه التحديد ـ كل خلية منذ تلقيح البويضة ، وتقرير أن تكون أنثى أو ذكرا من لدن الخالق ـ سبحانه (١) ـ ثم يلي ذلك تلك الظواهر العضوية ، والظواهر النفسية الكبرى .. وهي أنفع ـ بالنظر الواسع إلى مصلحة الأمة على المدى الطويل ـ فالحرب حين تحصد الرجال وتستبقي الإناث ؛ تدع للأمة مراكز إنتاج للذرية تعوض الفراغ. والأمر ليس كذلك حين تحصد النساء والرجال ـ أو حتى حين تحصد النساء وتستبقي الرجال! فرجل واحد ـ في النظام الإسلامي ـ وعند الحاجة إلى استخدام كل رخصه وإمكانياته ـ يمكن أن يجعل نساء أربعا ينتجن ، ويملأن الفراغ الذي تتركه المقتلة بعد فترة من الزمان. ولكن ألف رجل لا يملكون أن يجعلوا امرأة تنتج أكثر مما تنتج من رجل واحد ، لتعويض ما وقع في المجتمع من اختلال. وليس ذلك إلا بابا واحدا من أبواب الحكمة الإلهية في إعفاء المرأة من فريضة الجهاد ... ووراءه أبواب شتى في أخلاق المجتمع وطبيعة تكوينه ، واستبقاء الخصائص الأساسية لكلا الجنسين ، لا يتسع لها المجال هنا ، لأنها تحتاج إلى بحث خاص .. وأما الأجر والثواب ، فقد طمأن الله الرجال والنساء
__________________
(١) يراجع فصل : «المرأة وعلاقات الجنسين» في كتاب «الإسلام ومشكلات الحضارة». «دار الشروق».