وحين تتميع القضية في ضمائرهم ؛ فإن المستعمرين يأمنون غضبة المسلمين لله ؛ وللعقيدة .. الغضبة التي لم يقفوا لها يوما .. ويصبح الأمر سهلا بعد التنويم والتخدير .. ولا يكسبون معركة العقيدة وحدها. بل يكسبون معها ما وراءها من الأسلاب والمغانم والاستثمارات والخامات ؛ ويغلبون في معركة «المادة» بعد ما يغلبون في معركة «العقيدة» .. فهما قريب من قريب ..
وعملاء أهل الكتاب في الوطن الإسلامي ، ممن يقيمهم الاستعمار هنا وهناك علانية أو في خفية ، يقولون القول نفسه .. لأنهم عملاء يؤدون الدور من داخل الحدود .. وهؤلاء يقولون عن «الحروب الصليبية» ذاتها : إنها لم تكن «صليبية»!!! ويقولون عن «المسلمين» الذين خاضوها تحت راية العقيدة : إنهم لم يكونوا «مسلمين» وإنما هم كانوا «قوميين»!
وفريق ثالث مستغفل مخدوع ؛ يناديه أحفاد «الصليبيين» في الغرب المستعمر : أن تعالوا إلينا. تعالوا نجتمع في ولاء ؛ لندفع عن «الدين» غائلة «الملحدين»! فيستجيب هذا الفريق المستغفل المخدوع ؛ ناسيا أن أحفاد الصليبيين هؤلاء وقفوا في كل مرة مع الملحدين ؛ صفا واحدا ، حينما كانت المواجهة للمسلمين! على مدار القرون! وما يزالون! وأنهم لا يعنيهم حرب المادية الالحادية قدر ما تعنيهم حرب الإسلام. ذلك أنهم يعرفون جيدا أن الإلحادية المادية عرض طارئ وعدو موقوت ؛ وأن الإسلام أصل ثابت وعدو مقيم! وإنما هذه الدعوة المموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلائع البعث الإسلامي ؛ وللانتفاع بجهد المستغفلين المخدوعين ـ في الوقت ذاته ـ ليكونوا وقود المعركة مع الملحدين لأنهم أعداء الاستعمار السياسيون! وهؤلاء كهؤلاء حرب على الإسلام والمسلمين .. حرب لا عدة فيها للمسلم إلا ذلك الوعي الذي يربيه عليه المنهج الرباني القويم ..
إن هؤلاء الذين تخدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق ، فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ يدعونهم للتضامن والولاء في دفع الإلحاد عن «الدين» إنما ينسون واقع التاريخ في أربعة عشر قرنا ـ لا استثناء فيها ـ كما ينسون تعليم ربهم لهم في هذا الأمر بالذات ، وهو تعليم لا مواربة فيه ، ولا مجال للحيدة عنه ، وفي النفس ثقة بالله ويقين بجدية ما يقول!
إن هؤلاء يجتزئون فيما يقولون ويكتبون بالآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، التي تأمر المسلمين أن يحسنوا معاملة أهل الكتاب ؛ وأن يتسامحوا معهم في المعيشة والسلوك. ويغفلون التحذيرات الحاسمة عن موالاتهم ؛ والتقريرات الواعية عن بواعثهم ، والتعليمات الصريحة عن خطة الحركة الإسلامية ، وخطة التنظيم ، التي تحرم التناصر والموالاة ، لأن التناصر والموالاة لا يكونان عند المسلم إلا في شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه في الحياة الواقعية ، وليست هناك قاعدة مشتركة يلتقي عليها المسلم مع أهل الكتاب في شأن دينه ـ مهما يكن هناك من تلاق في أصول هذه الأديان مع دينه قبل تحريفها ـ إذ هم لا ينقمون منه إلا هذا الدين ، ولا يرضون عنه إلا بترك هذا الدين .. كما يقول رب العالمين ..
إن هؤلاء ممن يجعلون القرآن عضين ؛ يجزئونه ويمزقونه ، فيأخذون منه ما يشاءون ـ مما يوافق دعوتهم الغافلة الساذجة على فرض براءتها ـ ويدعون منه ما لا يتفق مع اتجاههم الغافل أو المريب! ونحن نؤثر أن نسمع كلام الله ، في هذه القضية ، على أن نسمع كلام المخدوعين أو الخادعين! وكلام الله ـ سبحانه ـ في هذه القضية حاسم واضح صريح مبين ..
ونقف وقفة قصيرة في هذا الموضع عند قوله تعالى ـ بعد تقرير أن سبب النقمة هو الإيمان بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ـ أن بقية السبب :