الله عامة ، وما قد يعترض هذا الحكم من شهوات الناس وعنادهم وحربهم وكفاحهم ، وواجب كل من استحفظ على كتاب الله في مثل هذا الموقف ، وجزاء نكوله أو مخالفته :
(فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ؛ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) .. ولقد علم الله ـ سبحانه ـ أن الحكم بما أنزل الله ستواجهه ـ في كل زمان وفي كل أمة ـ معارضة من بعض الناس ؛ ولن تتقبله نفوس هذا البعض بالرضى والقبول والاستسلام .. ستواجهه معارضة الكبراء والطغاة وأصحاب السلطان الموروث. ذلك أنه سينزع عنهم رداء الألوهية الذي يدعونه ؛ ويرد الألوهية لله خالصة ، حين ينزع عنهم حق الحاكمية والتشريع والحكم بما يشرعونه هم للناس مما لم يأذن به الله .. وستواجهه معارضة أصحاب المصالح المادية القائمة على الاستغلال والظلم والسحت. ذلك أن شريعة الله العادلة لن تبقي على مصالحهم الظالمة .. وستواجهه معارضة ذوي الشهوات والأهواء والمتاع الفاجر والانحلال. ذلك أن دين الله سيأخذهم بالتطهر منها وسيأخذهم بالعقوبة عليها .. وستواجهه معارضة جهات شتى غير هذه وتيك وتلك ؛ ممن لا يرضون أن يسود الخير والعدل والصلاح في الأرض.
علم الله ـ سبحانه ـ أن الحكم بما أنزل ستواجهه هذه المقاومة من شتى الجبهات ؛ وأنه لا بد للمستحفظين عليه والشهداء أن يواجهوا هذه المقاومة ؛ وأن يصمدوا لها ، وأن يحتملوا تكاليفها في النفس والمال .. فهو يناديهم :
(فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) ..
فلا تقف خشيتهم للناس دون تنفيذهم لشريعة الله. سواء من الناس أولئك الطغاة الذين يأبون الاستسلام لشريعة الله ، ويرفضون الإقرار ـ من ثم ـ بتفرد الله ـ سبحانه ـ بالألوهية. أو أولئك المستغلون الذين تحول شريعة الله بينهم وبين الاستغلال وقد مردوا عليه. أو تلك الجموع المضللة أو المنحرفة أو المنحلة التي تستثقل أحكام شريعة الله وتشغب عليها .. لا تقف خشيتهم لهؤلاء جميعا ولغيرهم من الناس دون المضي في تحكيم شريعة الله في الحياة. فالله ـ وحده ـ هو الذي يستحق أن يخشوه. والخشية لا تكون إلا لله ..
كذلك علم الله ـ سبحانه ـ أن بعض المستحفظين على كتاب الله المستشهدين ؛ قد تراودهم أطماع الحياة الدنيا ؛ وهم يجدون أصحاب السلطان ، وأصحاب المال ، وأصحاب الشهوات ، لا يريدون حكم الله فيملقون شهوات هؤلاء جميعا ، طمعا في عرض الحياة الدنيا ـ كما يقع من رجال الدين المحترفين في كل زمان وفي كل قبيل ؛ وكما كان ذلك واقعا في علماء بني إسرائيل.
فناداهم الله :
(وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) ..
وذلك لقاء السكوت ، أو لقاء التحريف ، أو لقاء الفتاوى المدخولة!
وكل ثمن هو في حقيقته قليل. ولو كان ملك الحياة الدنيا .. فكيف وهو لا يزيد على أن يكون رواتب ووظائف وألقابا ومصالح صغيرة ؛ يباع بها الدين ، وتشترى بها جهنم عن يقين؟!
إنه ليس أشنع من خيانة المستأمن ؛ وليس أبشع من تفريط المستحفظ ؛ وليس أخس من تدليس المستشهد. والذين يحملون عنوان : «رجال الدين» يخونون ويفرطون ويدلسون ، فيسكتون عن العمل لتحكيم ما أنزل الله ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، لموافاة أهواء ذوي السلطان على حساب كتاب الله ..