وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً).
* * *
والفقرة الثانية في هذا الدرس ، تتناول جانبا من العلاقات المالية في المجتمع المسلم ، لتنظيم طرق التعامل في هذا الجانب ، لضمان طهارة التعامل بين الأفراد عامة ؛ ثم لتقرير حق النساء كالرجال في الملك والكسب ـ كل حسب نصيبه ـ وأخيرا لتنظيم التعامل في عقود الولاء التي كانت سارية في الجاهلية وفي القسم الأول من صدر الإسلام ، لتصفية هذا النظام ، وتخصيص الميراث بالأقارب ؛ ومنع عقود الولاء الجديدة :
«يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ـ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ـ ولا تقتلوا أنفسكم ، إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا. وكان ذلك على الله يسيرا. إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ؛ وندخلكم مدخلا كريما. ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ، واسألوا الله من فضله ، إن الله كان بكل شيء عليما. ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ؛ والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا» ..
إنها حلقة في سلسلة التربية ، وحلقة في سلسلة التشريع .. والتربية والتشريع في المنهج الإسلامي متلازمان ؛ أو متداخلان ؛ أو متكاملان .. فالتشريع منظور فيه إلى التربية ؛ كما هو منظور فيه إلى تنظيم شؤون الحياة الواقعية ؛ والتوجيهات المصاحبة للتشريع منظور فيها إلى تربية الضمائر ؛ كما أنه منظور فيها إلى حسن تنفيذ التشريع ، وانبعاث التنفيذ عن شعور بجدية هذا التشريع ؛ وتحقق المصلحة فيه. والتشريع والتوجيه المصاحب منظور فيهما ـ معا ـ إلى ربط القلب بالله ، وإشعاره بمصدر هذا المنهج المتكامل من التشريع والتوجيه .. وهذه هي خاصية المنهج الرباني للحياة البشرية .. هذا التكامل الذي يصلح الحياة الواقعية ، ويصلح الضمير البشري في ذات الأوان ..
وهنا في هذه الفقرة نجد النهي للذين آمنوا عن أكل أموالهم بينهم بالباطل ـ وبيان الوجه الحلال للربح في تداول الأموال ـ وهو التجارة ـ ونجد إلى جانبه تصوير أكل الأموال بالباطل بأنه قتل للأنفس ؛ وهلكة وبوار. ونجد إلى جانبه كذلك التحذير من عذاب الآخرة ، ومس النار! .. وفي الوقت ذاته نجد التيسير والوعد بالمغفرة والتكفير ، والعون على الضعف والعفو عن التقصير .. كذلك نجد تربية النفوس على عدم التطلع إلى ما أنعم الله على البعض ، والتوجه إلى الله ـ صاحب العطاء ـ وسؤال من بيده الفضل والعطاء. وذلك التوجيه مصاحب لتقرير حق الرجال ونصيبهم فيما اكتسبوا ، وحق النساء ونصيبهن فيما اكتسبن ، وهذا وذلك مصحوب بأن الله كان بكل شيء عليما .. كما أن بيان التصرف في عقود الولاء ، والأمر بالوفاء بها نجده مصحوبا بأن الله كان على كل شيء شهيدا .. وهي لمسات وجدانية مؤثرة مصاحبة للتشريع ، وتوجيهات تربوية من صنع العليم بالإنسان ، وتكوينه النفسي ، ومسالك نفسه ودروبها الكثيرة.
* * *
«يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ـ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ـ ولا تقتلوا أنفسكم. إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ، وكان ذلك على الله يسيرا».
النداء للذين آمنوا ، والنهي لهم عن أكل أموالهم بينهم بالباطل.