ولكن إسرائيل. ، هي إسرائيل!!! الجبن. والتمحل. والنكوص على الأعقاب. ونقض الميثاق : (قالُوا : يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ ؛ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها ، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ). إن جبلة يهود لتبدو هنا على حقيقتها ، مكشوفة بلا حجاب ولو رقيق من التجمل. ذلك أنهم أمام الخطر ؛ فلا بقية إذن من تجمل ؛ ولا محاولة إذن للتشجع ، ولا مجال كذلك للتمحل. إن الخطر ماثل قريب ؛ ومن ثم لا يعصمهم منه حتى وعد الله لهم بأنهم أصحاب هذه الأرض ، وأن الله قد كتبها لهم ـ فهم يريدونه نصرا رخيصا ، لا ثمن له ، ولا جهد فيه. نصرا مريحا يتنزل عليهم تنزل المن والسلوى!
(إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ .. وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها .. فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) ..
ولكن تكاليف النصر ليست هكذا كما تريدها يهود! وهي فارغة القلوب من الإيمان!
(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا : ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ. وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
هنا تبرز قيمة الإيمان بالله ، والخوف منه .. فهذان رجلان من الذين يخافون الله ، ينشىء لهما الخوف من الله استهانة بالجبارين! ويرزقهما شجاعة في وجه الخطر الموهوم! وهذان هما يشهدان بقولتهما هذه بقيمة الإيمان في ساعة الشدة ؛ وقيمة الخوف من الله في مواطن الخوف من الناس. فالله سبحانه لا يجمع في قلب واحد بين مخافتين : مخافته ـ جل جلاله ـ ومخافة الناس .. والذي يخاف الله لا يخاف أحدا بعده ؛ ولا يخاف شيئا سواه ..
(ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ. فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) ..
قاعدة في علم القلوب وفي علم الحروب .. أقدموا واقتحموا. فمتى دخلتم على القوم في عقر دارهم انكسرت قلوبهم بقدر ما تقوى قلوبكم ؛ وشعروا بالهزيمة في أرواحهم وكتب لكم الغلب عليهم ..
(وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ..
فعلى الله ـ وحده ـ يتوكل المؤمن. وهذه هي خاصية الإيمان وعلامته ؛ وهذا هو منطق الإيمان ومقتضاه .. ولكن لمن يقولان هذا الكلام؟ لبني إسرائيل؟!
(قالُوا : يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها. فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا. إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ..
وهكذا يحرج الجبناء فيتوقحون ؛ ويفزعون من الخطر أمامهم فيرفسون بأرجلهم كالحمر ولا يقدمون! والجبن والتوقح ليسا متناقضين ولا متباعدين ؛ بل إنهما لصنوان في كثير من الأحيان. يدفع الجبان إلى الواجب فيجبن. فيحرج بأنه ناكل عن الواجب ، فيسب هذا الواجب ؛ ويتوقح على دعوته التي تكلفه ما لا يريد! (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا. إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ..
هكذا في وقاحة العاجز ، الذي لا تكلفه وقاحة اللسان إلا مد اللسان! أما النهوض بالواجب فيكلفه وخز السنان!
(فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ)! ..
فليس بربهم إذا كانت ربوبيته ستكلفهم القتال!
(إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ..
لا نريد ملكا ، ولا نريد عزا ، ولا نريد أرض الميعاد .. ودونها لقاء الجبارين!