وصدق الله. فهذه سمات يهود التي لا تفارقهم .. لعنة تبدو على سيماهم ، إذ تنضح بها جبلتهم الملعونة المطرودة من الهداية. وقسوة تبدو في ملامحهم الناضبة من بشاشة الرحمة ، وفي تصرفاتهم الخالية من المشاعر الإنسانية ، ومهما حاولوا ـ مكرا ـ إبداء اللين في القول عند الخوف وعند المصلحة ، والنعومة في الملمس عند الكيد والوقيعة ، فإن جفاف الملامح والسمات ينضح ويشي بجفاف القلوب والأفئدة .. وطابعهم الأصيل هو تحريف الكلم عن مواضعه. تحريف كتابهم أولا عن صورته التي أنزلها الله على موسى ـ عليهالسلام ـ إما بإضافة الكثير إليه مما يتضمن أهدافهم الملتوية ويبررها بنصوص من الكتاب مزورة على الله! وإما بتفسير النصوص الأصلية. الباقية وفق الهوى والمصلحة والهدف الخبيث! ونسيان وإهمال لأوامر دينهم وشريعتهم ، وعدم تنفيذها في حياتهم ومجتمعهم ، لأن تنفيذها يكلفهم الاستقامة على منهج الله الطاهر النظيف القويم.
(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ ، إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ...) ..
وهو خطاب للرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يصور حال يهود في المجتمع المسلم في المدينة. فهم لا يكفون عن محاولة خيانة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد كانت لهم مواقف خيانة متواترة. بل كانت هذه هي حالهم طوال إقامتهم معه في المدينة ـ ثم في الجزيرة كلها ـ وما تزال هذه حالهم في المجتمع الإسلامي على مدار التاريخ. على الرغم من أن المجتمع الإسلامي هو المجتمع الوحيد الذي آواهم ، ورفع عنهم الاضطهاد ، وعاملهم بالحسنى ، ومكن لهم من الحياة الرغيدة فيه. ولكنهم كانوا دائما ـ كما كانوا على عهد الرسول ـ عقارب وحيات وثعالب وذئابا تضمر المكر والخيانة ، ولا تني تمكر وتغدر. إن أعوزتهم القدرة على التنكيل الظاهر بالمسلمين نصبوا لهم الشباك وأقاموا لهم المصائد ، وتآمروا مع كل عدو لهم ، حتى تحين الفرصة ، فينقضوا عليهم ، قساة جفاة لا يرحمونهم ، ولا يرعون فيهم إلا ولا ذمة. أكثرهم كذلك .. كما وصفهم الله سبحانه في كتابه ، وكما أنبأنا عن جبلتهم التي أورثها إياهم نقضهم لميثاق الله من قديم.
والتعبير القرآني الخاص عن واقع حال اليهود مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في المدينة ، تعبير طريف :
(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ..
الفعلة الخائنة ، والنية الخائنة ، والكلمة الخائنة ، والنظرة الخائنة .. يجملها النص بحذف الموصوف وإثبات الصفة .. «خائنة» .. لتبقى الخيانة وحدها مجردة ، تملأ الجو ، وتلقي ظلالها وحدها على القوم .. فهذا هو جوهر جبلتهم ، وهذا هو جوهر موقفهم ، مع الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومع الجماعة المسلمة ..
إن هذا القرآن هو معلم هذه الأمة ومرشدها ورائدها وحادي طريقها على طول الطريق. وهو يكشف لها عن حال أعدائها معها ، وعن جبلتهم وعن تاريخهم مع هدى الله كله. ولو ظلت هذه الأمة تستشير قرآنها ؛ وتسمع توجيهاته ؛ وتقيم قواعده وتشريعاته في حياتها ، ما استطاع أعداؤها أن ينالوا منها في يوم من الأيام .. ولكنها حين نقضت ميثاقها مع ربها ؛ وحين اتخذت القرآن مهجورا ـ وإن كانت ما تزال تتخذ منه ترانيم مطربة ، وتعاويذ ورقى وأدعية! ـ أصابها ما أصابها.
ولقد كان الله ـ سبحانه ـ يقص عليها ما وقع لبني إسرائيل من اللعن والطرد وقسوة القلب وتحريف الكلم عن مواضعه ، حين نقضوا ميثاقهم مع الله ، لتحذر أن تنقض هي ميثاقها مع الله ، فيصيبها ما يصيب كل ناكث للعهد ، ناقض للعقد .. فلما غفلت عن هذا التحذير ، وسارت في طريق غير الطريق ، نزع الله منها قيادة البشرية ؛ وتركها هكذا ذيلا في القافلة! حتى تثوب إلى ربها ؛ وحتى تستمسك بعهدها ، وحتى توفي